وَحَفَدَةً) قال الحسن وغيره (١) : الحفدة : الخدم والمماليك ، فهو على التقديم ، على تأويل هؤلاء ، يقول : جعل لكم من أنفسكم أزواجا وخدما من جنسكم ؛ لأنه ذكر فيما تقدم : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ...) الآية ، يذكرهم نعمه وفضله الذي ذكر أنه جعل لكم من جنسكم أزواجا وخدما تحت أيديهم ، يستمتعون بالأزواج ، ويستخدمون الخدم والمماليك ، وهم من جنسهم وجوهرهم ، يذكرهم فضله ومننه عليهم.
أو يشبه أن يكون هذا صلة قوله : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا ...) [النحل : ٥٨] الآية ، كانوا يأنفون عن البنات ، ويدفنونهن أحياء إذا ولدن أنفا منهن ، يقول ـ والله أعلم ـ : كيف تأنفون منهن وقد جعل لكم من البنات أزواجا تستمتعون بهن حتى لا تصبروا عنهن ، وكذلك جعل لكم من البنات والبنين الذين ترغب أنفسكم فيهم ما لو لا البنات لم تكن لكم الأزواج التي تستمتعون بهن ، ولم يكن لكم البنون الذين ترغبون فيهم ، والأنصار والأعوان والخدم الذين ترغبون فيهم ، يبين ويذكر تناقضهم في الأنفة منهن يأنفون منهن ، ومن البنات يكون ما يرغبون فيهم (٢) ؛ فهذا يدل أن النساء يصرن كالملك للأزواج ، ويصرن تحت أيديهم في حق ملك الاستمتاع ، كالمماليك في حق ملك الرقاب ، ثم جعل ـ عزوجل ـ التناسل في الخلق على التفاريق ، وتقلبهم من حال إلى حال ، وتنقلهم (٣) أبدا كذلك ليكون أذكر لتدبيره ، وانظر في آياته ودلالاته ، ولو شاء لأنشأ الخلق كله بمرة واحدة ، وأفناهم بدفعة واحدة ، وكذلك ما جعل لهم من الأرزاق وأنواع النبات ، لو شاء لأخرج لهم ذلك كله بمرة واحدة في وقت واحد ، لكنه أنشأ لهم بالتفاريق ليذكرهم النظر في آياته وتدبيره ، ليكون ذلك لهم أدعى إلى المرغوب ، وأحذر للمرهوب ، وكذلك ما ردد من الأنباء والقصص ، والمواعيد ، وذكر الجنة والنار في القرآن في غير موضع ليبعثهم ويحثهم على النظر في آياته وتدبيره ، ويرغبهم في كل وقت في المرغوب ، ويحذرهم عن المحذور والمرهوب ، ثم قوله : (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) وقال في آية أخرى : (قُوا أَنْفُسَكُمْ) [التحريم : ٦] وقال : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] ونحوه ، ذكر الأنفس في [هذا](٤) كله ، ثم لم يفهم أهل الخطاب من هذا كله معنى واحدا وشيئا واحدا ، وإن كان في حق اللسان واللغة واحدا لكنهم فهموا في كل
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢١٧٨٣) و (٢١٧٨٤) و (٢١٧٩٤).
(٢) في أ : فيهن.
(٣) في أ : ويتقلبهم.
(٤) سقط في ب.