إحداها : أن القدرة لا تفارق الفعل ، حيث قال : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) ثم قال : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ) جعل مقابل الفعل القدرة ، فلو كانت تفارق الفعل لكان ذكر مقابل القدرة [قدرة](١) مثلها ، أو مقابل الفعل فعلا مثله ، فلما ذكر مقابل القدرة الفعل دل أنها لا تفارق الفعل ، وفيه أن العبد لا يملك حقيقة الملك ، حيث ذكر عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ، وإن قدر [على] ما يملك إنما يملك بإذن من له الملك ، وكذلك الخلائق كلهم لا يملكون حقيقة الإملاك ، إنما حقيقة الملك في الأشياء لله وإن قدر [وا على](٢) ما يملكون إنما يملكون بالإذن على قدر ما أذن لهم.
وفيه أن العبد لا يملك الإنفاق والتصدق ، حيث قال : (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) ثم قال فيمن يملك : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ) دل أنه لا يملك العبد الإنفاق والهبة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ) قال بعضهم : ذكر الحمد لله على إثر ما ذكر ؛ لأنه عرّف رسوله النعم وأنواع المنافع ، ثم عرفه على إثر [ذلك](٣) الحمد لله.
وقال بعضهم : الحمد لله ثناء ، أخبر أن أكثرهم لا يعلمون حمد الله وثناءه.
وقوله : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً) أي : من أوليائنا ، أو من أولياء ديننا ، وذلك جائز سائغ في اللغة ، ثم قوله : (لا يَعْلَمُونَ) يحتمل نفي العلم عنهم لما لم ينتفعوا بما علموا ، أو على حقيقة النفي لما لم ينظروا في الآيات والحجج ، ولم يتأملوا فيها فلم يعلموا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ...) إلى آخر الآية.
قالوا : هذا المثل كالأوّل ، يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما في الأوّل.
أحدهما : المؤمن والكافر ، شبه الكافر بالمملوك الأبكم الذي لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه ، لا يأتي المولى بخير ، ولا ينتفع به ، وشبه المؤمن بالذى يأتي المولى بكل خير ونفع ، يقول : هل استوى هذا مع هذا عندكم؟ لا يستوي ، فعلى ذلك لا يستوي الكافر الذي لا يعمل شيئا من طاعة الله ، ولا يأتي بخير والمؤمن الذي يعمل كل طاعة الله ، ويأتي بكل خير ، ويأمر بكل عدل.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.