والثاني : ضرب مثل الإله المعبود الحق بالمعبود الباطل ، يقول : هل يستوى من أتاكم بكل نعمة وكل خير ، ويأمر بكل عدل ، بمن هو أبكم لا يقدر على شيء ، ولا يضرّ ، ولا ينفع ، ولا يجيب ، وهو عيال على من يعبده ويخدمه ، هل يستوى هذا مع ذلك؟ لا يستويان مثلا البتة غير أن المثل هاهنا ضرب بالذى لا ينفق بالحق ، ولا يأمر بالعدل ، ذكر مقابل الأبكم الذي يأمر بالعدل ، وفي الأول ضرب مثل الذي لا يملك الإنفاق بالذى يملك الإنفاق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : هو على الحق المستقيم ، وهو المعبود بالحق.
قال أبو عوسجة الكل : العيال ، وكذلك قال غيره من أهل الأدب.
وقال بعضهم : الكل الفقير ، وهو واحد ، والأبكم : الأخرس ، وهو الذي لا ينطق البتة.
وقال : (وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) بالتوحيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) هذا يحتمل وجوها :
أحدها : ما ذكر أهل التأويل من السؤال عن الساعة وعن وقتها ، كقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ١٨٧] لخفائها على أهلها ؛ لأن كل خفى ثقيل ، أخبر أنه لا يجليها إلا لوقتها ، فوقت قيامها لا يعلمه غيره.
والثاني : ولله علم ما غيب أهل السموات وأهل الأرض ، أي : ما غيب بعضهم من بعض ، فذلك ليس بمغيب عن الله بل ما غاب عن الخلق وما ظهر لهم ، فذلك لله كله ظاهر بمحل واحد ، وهو كقوله : (يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) [النحل : ١٩].
والثالث : قوله : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له علم ما في سرية هذه الأشياء الظاهرة ما لا سبيل للخلق إلى علم ذلك ، وإن كانوا يعلمون هذه الأجسام والأشياء الظاهرة ، وتقع حواسهم عليها لا يعلمون ما في سرّيتها : من نحو الماء الذي (١) به حياة كل شيء ، ونحو النطفة التي يخلق منها الإنسان ـ لا يعلمون المعنى الذي به يصير إنسانا ، ومن نحو السمع والبصر والعقل يعلمون ويرون ظواهر [هذه](٢) الحواس ، ولكن لا يدركون المعنى الذي به يسمع وبه يبصر وبه يعقل ويفهم.
__________________
(١) زاد في ب : أخبر أنه حياة كل شيء لا يسرفون المعنى الذي.
(٢) سقط في أ.