شرّا كان أو خيرا ، وكذلك (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) و (نَقِيراً) ، أي : لا يظلمون شيئا ، وكذا (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) [فاطر : ١٣] ، أي : لا يملكون شيئا ؛ لأن القطمير لا يملك ؛ فإنما يذكر هذا وأمثاله على التمثيل الذي ذكرنا.
أو أن يكون تأويل قوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) ، أي : ليس ما بين الساعة وبينكم مما مضى من الوقت إلا قدر لمح البصر ، أي : لم يبق من وقت قيامها ممّا مضى إلا ما ذكر من لمح البصر أو أقرب مما ذكر على الاستقصار مما بقي.
(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وعلى (١) البعث والإعادة ، وعلى كل شيء ، لا يعجزه شيء.
وظاهر الآية ينقض على المعتزلة قولهم ؛ لإنكارهم خلق أفعال العباد ؛ لأنه أخبر أنه على كل شيء قدير ، وعلى قولهم : هو غير قادر على العالم بشيء (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً).
يذكر بهذا قدرته وسلطانه على ما سبق : من ذكر سرعة القيامة ، والعلم بها ، والحكمة التي جعل في البعث ؛ فقال : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) : خلق الولد في ظلمات ثلاث ، وجعل غذاه بغذاء الأمهات وبقواهن ، ثم تقلبه في تلك الظلمات من حال إلى حال : ما لو اجتهد الخلائق أن يعلموا اغتذاءه بغذاء الأمهات ، وتقليبه من حال إلى حال ، ومن جوهر إلى جوهر ـ ما قدروا على ذلك ؛ فيدل هذا على أن من قدر على هذا ، وعلم هذا في تلك الظلمات لقادر على البعث وإعادة الخلق بعد الفناء ، وعلم ما غاب عن الخلق.
ويذكرنا ابتداء أحوالنا أنه أخرجنا من بطون أمهاتنا ونحن لا نعلم شيئا ، ثم صيّرنا بحال صرنا عالمين أشياء ، يذكرنا نعمه ومننه علينا في بلوغنا إلى الأحوال التي صرنا إليها بعد ما كنا ما ذكر.
والثاني : يذكرنا أنكم كنتم بالحال التي ذكر ؛ لنعلم أنه صيرنا في البطون بلا استعانة بأحد منا ولا عون منه إلى أحد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ).
__________________
(١) في ب : ومن.
(٢) في ب : ألف ألف شيء.