وقوله : (كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ).
أي : كذلك يتم [ذكر](١) نعمته عليكم ؛ ليلزمهم الإسلام أو حجته ، ثم يحتمل النعمة على ما تقدم ذكره ، ويحتمل : الرسول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ).
جميع ما ذكر من النعم والآيات في هذه السّورة من أوّلها إلى آخرها ؛ إنما ذكر لهذا الحرف ، وهو قوله : (لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ). وما ذكر (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) و (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) : يحتمل أن يكون هذه الأحرف كلها واحدا ، ويحتمل أن يكون لكل حرف من ذلك معنى غير الآخر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ تَوَلَّوْا).
عن الإجابة لك وعما تدعوهم إليه.
(فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ).
أي : ليس عليك إجابتهم ، إنما عليك التبليغ إليهم والبيان لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها).
يحتمل النعمة ـ هاهنا ـ محمدا صلىاللهعليهوسلم كانوا يعرفونه [لكنهم أنكروه ؛ كقوله](٢) : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦] ، وما ذكر : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧].
ويحتمل : (نِعْمَتَ اللهِ) : يعرفون نعمة الله ، وهو ما ذكر عرفوها أنها من الله (ثُمَّ يُنْكِرُونَها) ؛ بعبادتهم الأصنام ، وصرفهم شكرها إلى غيره ، كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] ، مع ما يعرفون : أن الله هو خالقهم ، وأن ما لهم كله من عند الله يعبدون الأصنام ؛ فتكون عبادتهم دون الله كفران نعمة الله.
__________________
ـ لما ثبت في العلوم العقلية أن العلم بأحد الضدين يستلزم العلم بالضد الآخر ، فإن الإنسان إذا خطر بباله الحر ، خطر بباله البرد أيضا ، وكذا القول في النور والظلمة ، والسواد والبياض.
الثالث : قال الزجاج : (وما وقى من الحر وقى من البرد ، فكان ذكر أحدهما مغنيا عن الآخر).
فإن قيل : هذا بالضد أولى ؛ لأن دفع الحر يكفي فيه السرابيل التي هي القمص دون تكلف زيادة ، أما البرد فإنه لا يندفع إلا بزيادة تكلف.
فالجواب : أن القميص الواحد لما كان دافعا للحر ، كانت السرابيل ـ التي هي الجمع ـ دافعة للبرد.
ينظر : اللباب (١٢ / ١٣٤ ، ١٣٥).
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.