جميع الخلق ؛ [فأخبر أنه](١) أنزل من السماء اللّباس والرياش [لكل شيء](٢) ، وأخبر أنه خلقنا من تراب ، ثم أخبر أنه خلقنا جميعا من نفس واحدة ؛ على رجوع كل ما ذكر باختلاف الأسباب والتوالد إليه ، والله أعلم.
وذلك كما قال أهل الكلام في جعل المحسوسات أدلة لكل غائب : جعلها الله أدلة توصل إليه بالتأمل والنظر فيكون المحسوس مبينا من ذلك ، وإلا على اختلاف الدرجات في حد (٣) البيان مع ما قد جعله الله كذلك ، حتى إن في الفلاسفة من تكلف استخراج كلية أمور العالم العلوي والسفلي. وما على ذلك مدار ما عليه من هذا المحسوس ؛ فمثله أمر القرآن ، والله الموفق.
والثالث : أن يكون فيه بيان على الرمز والإشارة مرة ، وعلى الكشف ثانيا ؛ فما كان منه على الرمز فهو مطلوب في المعاني وطريق الرسول إلى ما في تلك المعاني من الأمور المختلفة (٤) :
منها ما يقع بمعونة الوحي من غير الكتاب على اختلاف وجوه الوحي من إرسال على لسان ملك ، أو رؤيا ، أو إلهام.
والتأمل في ذلك ، أو الاستدلال بما قد أوضحه بعد توفيق الله للحق في ذلك وعصمته عن الزيغ.
أو على ما شاء من ترتيب الحكماء في حق التفاهم لغوامض الأمور ، أو غير ذلك مما يريد الله أن يطلع عليه نبيّه ؛ فإن لطف ربّ العالمين بما عامل به الأخيار يجل عن احتمال العبارة عنه أو تصويره في الأوهام ، نحو كتابة الحفظة ، وقبض ملك الموت أرواح الخلق في وقت واحد في أطراف الأرض ، ونحو ذلك ، وذلك كله حدّ اللّطف الذي يعجز البشر عن الإحاطة ؛ فعلى ذلك أمر تبيان كل شيء مع ما يحتمل الرجوع بتأويل الآية إلى أغلب الأمور وأعمها ، كقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] ، وغيره ، ولا قوة إلا بالله.
والأصل عندنا : أن ليس للبيان عدد يجب حفظ العدد ، على ما ذكره قوم : أنه على خمسة أوجه ؛ إنما هو أمران :
أحدهما : ما يبين هو.
والثاني : ما يبين غيره ، لكن الوجه الذي به يقع ما غاب عن الحواس بالبيان أصله
__________________
(١) في أ : فإنه.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : هذا.
(٤) في ب : مختلفة.