كل شيء من الوجه الذي ذكرنا.
أو أن يكون أنزل عليه الكتاب [تبيانا](١) لكل ما دعا به الرسل وجاءت به الرسل والكتب جميعا. في هذا الكتاب جميع ما أتى به الرسل والكتب من الأمر والنهي والوعد والوعيد ، كقوله : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٤٨].
ثم اختلف في ذلك البيان :
قال بعضهم : تحتمل الآية وجهين :
أحدهما : الخصوص على الأصول دون الفروع ؛ كذكر الكمال للدين ، لكن ذلك وصف الدين ، وقد يقع له الكمال بالكتاب والسنة ، وهذا للكتاب ؛ فلم يجز التقصير عن الاشتمال عما لزمت الحاجة في أمر الديانة.
وذكر أن الكتاب تبيان لكل ما وقعت إليه حاجة في أصول الدين : من الإيمان ، وأنواع العبادات ، والأحكام مع الحدود والحقوق ، ومكارم الأخلاق (٢) : تنتظم صلة الرحم ، وعشرة الإخوان ، وصحبة الجيران ، ونحو ذلك ؛ فتشتمل هذه الجملة على أصول الدين ، وما وراءها يكون موكولا إلى بيان الرسول ؛ ليفي الكتاب بما شرط له تلاوة ودلالة الوجه.
والوجه الثاني : أن يكون تبيانا لكل شيء منتظما لما فيه ، مجمله ومبهمه ومشكله ، ولبيان الرسول مجمله وتفسيره مبهمه ، وإيضاحه ، ودلالته على مشكله.
وقال : والسنن كلها بيان للكتاب ؛ لارتباط بعض ببعض. ثم قد يحتمل الآيات التي فيها ذكر البيان والتفصيل وجوها غير الوجهين اللّذين ذكرتهما :
أحدها : أنه تبيان كل شيء ظهر فيه التنازع بين أهل الأديان ، وألزمتهم الضرورة فيه إلى البيان ؛ فجعل الله الكتاب تبيانا ألزمهم بالتدبر (٣) العلم بأنه من عند الله ؛ بخروجه عما عليه وسع القوم عن نوع ما ذكر فيه من الحجج والأدلّة ، وبما أعجزهم عن الطمع في تأليف مثله ونظمه ؛ ليعرفوا أن الله قد أعانهم فيما مستهم الحاجة ، وألجأتهم الضرورة إلى من يطلعهم على الحق فيما لو أهملوا عن ذلك لتولد منه العداوة والعناد ؛ فأنعم الله عليهم به ، وبين فيه جميع ما بين إليه من الحاجة لدوام الأخوة.
والثاني : أن يكون فيه تبيان كل شيء بالطلب من عنده ، وبالبحث فيه الظفر بكل ما ينزل بهم من الحاجات إلى الأبد ؛ فيكون هو أصل ذلك. لكن باختلاف الأسباب يوصل إلى حقيقة العلم به ، وذلك نحو ما جعل الماء حياة لكل شيء ووصف أن في السماء رزق
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) زاد في ب : التي.
(٣) في أ : بالتدبير.