أبي بكر الأصم.
وقال بعضهم : إن عذابهم كلما أراد أن يفتر بنضج الجلود ، زيدت لهم ـ بتبديل الجلود ـ نارها كلما أرادت أن تخمد زيد لهم سعيرا ؛ كقوله : (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) [النساء : ٥٦] ، وقوله : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء : ٩٧] ؛ فذلك هو الزيادة في العذاب.
ويحتمل غير ذلك (١) ، وهو أن عذاب الكفر دائم أبدا ؛ فيزداد لهم عذابا بما كان لهم في الكفر ـ سوى الكفر ـ أعمال ومساو ، كما يعفى ويتجاوز عن المؤمنين ما كان منهم من المساوي ؛ كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ) [الأحقاف : ١٦] ؛ مقابل ما كان يعفى عن المؤمنين المساوي ، زيد لأهل الكفر ، على عذاب الكفر ؛ لمساويهم.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : زدناهم عذابا ضعفا بما كانوا يفسدون ، وأصله أن جزاء الآخرة من الثواب والعذاب على المضاعفة ؛ لأنه دائم لا انقطاع له. وما ذكر من الزيادة والفوق وغيره ـ فهو على المضاعفة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ).
يحتمل قوله : (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، أي : من البشر ، ويحتمل ما ذكرنا من شهادة الجوارح عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ).
هو ما ذكرنا : يشهد الرسول عليهم بالتبليغ ، ويشهد لمن أجابه وأطاعه ، وعلى من ردّ كذبه بالرد والتكذيب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ).
يحتمل قوله : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) : ما ذكر في هذه السورة ؛ لأنه ذكر فيها جميع أصناف النعم وجواهرها ، ووجوه الأسباب التي بها يوصل إليها ، وذكر فيها ما سخر لهم من أنواع الجواهر ، وفيه ذكر ما وعد وأوعد ، وأمر ونهى ، وذكر ما حل بالأعداء وما ظفر أولياؤه بهم. وفيه ذكر سلطانه وقدرته ، وذكر سفه الكفرة وعنادهم ، وذكر ما يؤتى ويتقى (٢) ؛ فذلك تبيان لكل شيء.
أو أن يكون في الكتاب تبيان كل شيء ، وفي القرآن ما ذكرنا : من الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، وأخبار الأمم الماضية وأمثالهم ، وجميع ما يؤتى ويتقى (٣) ؛ ففيه تبيان
__________________
(١) في ب : هذا.
(٢) في أ : ويبقى.
(٣) في أ : ويبقى.