وقال بعضهم (١) قولهم : (هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) : الأصنام التي عبدوها.
(فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) : أي : يكذبونهم ، وهو ما ذكر : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) [يونس : ٢٩] ؛ يكذبونهم فيما قالوا ، ويخبرون أنهم كانوا غافلين عن عبادتهم.
وقال بعضهم : شركاؤهم الملائكة الذين عبدوهم ، كقوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ. قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) [سبأ : ٤٠ ، ٤١] : أخبر أنهم إنما عبدوا الجن بأمرهم ولم يعبدوهم ، أو يكون شركاؤهم رؤساءهم الذين انقاد الأتباع لهم ويحتمل الأصنام وما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ).
هو ما ذكرنا : يقولون لهم : إنكم لكاذبون ، أو يكذبونهم فيما يزعمون ويدعون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ).
أي : يخضعون كلهم لله يومئذ ، ويخلصون له الدين ، ويسلمون له الأمر والألوهية.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
أي : بطل عنهم ما طمعوا بعبادتهم الأصنام والأوثان التي عبدوها من الشفاعة وغيرها ؛ كقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، وقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] : بطل عنهم ما طمعوا ورجوا من عبادة أولئك من الشفاعة لهم ، والقربة إلى الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ).
قال بعضهم : هؤلاء كانوا رؤساء الكفرة وقادتهم ضلوا هم بأنفسهم وأضلوا أتباعهم ؛ فلهم العذاب الدائم بكفرهم بأنفسهم ، وزيادة العذاب بإضلال غيرهم ، وهو كقوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النحل : ٢٥] ، وكقوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ...) الآية [العنكبوت : ١٣] : [أخبر أنهم يحملون أوزارهم](٢) وأوزار الذين أضلوهم ومنعوهم عن الإسلام ؛ فعلى ذلك قوله : (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) ؛ بما أضلوا أتباعهم ، وسعوا في الأرض بالإفساد ، وهو قول
__________________
(١) قاله ابن جرير (٧ / ٦٣١) ، والبغوي (٣ / ٨١).
(٢) سقط في ب.