يحتمل : غافلون عن النظر في آياته وحججه ، ويحتمل : غافلون عما يحل بهم ؛ بكفرهم وتكذيبهم آيات الله وحججه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا جَرَمَ).
قد ذكرنا ما قيل فيه : لا بد ، وحقّا ، وقيل : هو حرف وعيد.
(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ).
قال الحسن : إنهم ـ والله ـ خسروا الجنة ورحمة الله ، خسروا أهلهم ومنزلهم الذي كان لهم في الجنة ، وخسروا منهم أنفسهم حين قذفوها في النار.
وقال أبو بكر الأصم : خسروا النعم الدائمة الباقية بالزائلة الفانية ، وخسروا أنفسهم ؛ حيث قتلوا ، وأسروا في الدنيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا).
قيل : عذبوا على الإيمان بمكة ، ثم جاهدوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه عدوّهم ، وصبروا على ذلك.
(إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قيل : من بعد الفتنة لغفور لما كان منهم ، (رحيم) ذكر مرتين :
أحدهما : قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) ، ثم قال : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، [قيل : من بعد الفتنة](١) فيجيء أن يكتفى بواحد يقول : لغفور رحيم موصولا بقوله : للذين فعلوا ما ذكر ، لكنه ذكر مرتين ـ والله أعلم : إنه لغفور لهم يعني : لهؤلاء الذين فتنوا وعذبوا ، ولغيرهم.
ذكر أهل التأويل (٢) أن أناسا من المؤمنين خرجوا إلى المدينة فأدركهم المشركون ؛ ليردوهم ؛ فقاتلوهم ؛ فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا ...) الآية.
ومنهم من يقول ـ أيضا ـ : فيهم نزل قوله : (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا ...) الآية [العنكبوت : ١ ، ٢].
وأكثرهم قالوا (٣) : إن قوله : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن جرير (٢١٩٥٢) ، وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٥٠).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير (٢١٩٤٤) ، (٢١٩٤٥) ، وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم ، وصححه والبيهقي في الدلائل عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٤٨).