وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) : يحتمل لا تبديل لكلمات الله من وعده ووعيده ، وذلك مما لا تبديل له ولا تحويل.
ويحتمل (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) القرآن لا تبديل لما فيه من الوعد والوعيد وغيره.
ويحتمل لا تبديل لما مضى من سنته في الأولين والآخرين من الهلاك والاستئصال بتكذيبهم الرسل والآيات ؛ كقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر : ٤٣] وقوله : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) [الأنفال : ٣٨].
ويحتمل قوله : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) أي : لا تبديل للبشرى التي ذكر لهؤلاء الذين تقدم ذكرهم.
ويحتمل لا تبديل لحجج الله وبراهينه ، أو لا تبديل لوعيد الله ووعده ونحوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي : تلك البشرى هي الفوز العظيم ، أو ذلك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون هو الفوز العظيم ؛ إذ لا خوف بعده.
وقال بعضهم من أهل التأويل : لا خوف عليهم من النار ، ولا هم يحزنون أن يخرجوا من الجنة أبدا ، والوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) يحتمل قولهم : ما قالوا في الله بما لا يليق به من الولد والشريك (١) ؛ يقول : لا يحزنك ذلك (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)(٢).
ويحتمل قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) الذي قالوا في القرآن إنه سحر وإنه مفترى ، أو قالوا في رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنه ساحر وإنه يفتري على الله كذبا. ويشبه أن يكون قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) مكرهم الذي مكروا به ، وكيدهم الذي كادوه ، يؤيد ذلك قوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
__________________
(١) في أ : والشرك.
(٢) قيل : المعنى : إن جميع العزة والقدرة لله ـ تعالى ـ يعطي ما يشاء لعباده ، والغرض منه : أنه لا يعطي الكفار قدرة عليه ، بل يعطيه القدرة عليهم حتى يكون هو أعز منهم ، ونظيره : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) [غافر : ٥١].
قال الأصم : المراد : أن المشركين يتعزّزون بكثرة خدمهم وأموالهم ، ويخوفونك بها ، وتلك الأشياء كلها لله ـ تعالى ـ فهو ـ تعالى ـ قادر على أن يسلب منهم كل تلك الأشياء ، وينصرك ، وينقل أموالهم وديارهم إليك.
فإن قيل : قوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) كالمضادة لقوله : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون : ٨].
فالجواب : لا مضادة ؛ لأن عزة الرسول والمؤمنين كلها بالله ، فهى لله.
ينظر : اللباب (١٠ / ٣٧٠).