لل (عند) مكان ينتقل من مكان إلى مكان ، ولكن معنى ال (عند) معنى الأمر ، وعلى هذا يخرج قوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعني الملائكة (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأعراف : ٢٠] أي : [إن](١) الذين بأمر ربّك يعبدونه لا يستكبرون عن عبادته لما أنه لم يفهم من مجيء الحق من عنده مكان ، فعلى ذلك لا يجوز أن يفهم من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) المكان أو قرب المكان منه ، ولكن التأويل ما ذكرنا أن المفهوم من عند الله أمره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) : والحق ما ذكرنا.
(وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) : الإفلاح هو الظفر بالحاجة ، يقول : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) أي : لا [يظفر الساحر](٢) بالحاجة ولا يغلب ؛ لأن السحر باطل ولا يغلب الباطل الحق ، بل الحق هو الغالب. والسحر هو المغلوب على ما غلب الحق الذي جاء به موسى السحر الذي جاء سحرة فرعون.
أو يقول : لا يفلح الساحرون في الآخرة بسحرهم في الدنيا.
ويحتمل قوله : (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) بسحرهم في حال سحرهم ؛ كقوله : (لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٢١] ، و (لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) [المؤمنون : ١١٧] أي : لا يفلحون بظلمهم في حال ظلمهم ، وأما إذا تركوا الظلم فقد أفلحوا ، فعلى ذلك السحرة إذا تركوا السحر فقد أفلحوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا) قيل : لتصرفنا وتصدنا (٣).
قال القتبي (٤) : لفت فلانا عن كذا إذا صرفته ، والالتفات منه وهو الانصراف.
وقال أبو عوسجة : (لِتَلْفِتَنا) أي : تردنا وتصرفنا على ما ذكر القتبي ، قال : يقال : لفته يلفته لفتا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) : من عبادة الأصنام والأوثان.
ويحتمل ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة فرعون والطاعة له.
(وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) قال عامة أهل التأويل : الكبرياء الملك والسلطان
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : يظفرون.
(٣) ذكره ابن جرير (٦ / ٥٨٨) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٦٤) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن السدي.
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن (١٩٨).