[أحدهما](١) : يحتمل قوله : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما) أي : اتخذا لقومكما مساجد يصلون فيها ، (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ) أي : اجعلوا في بيوتكم التي اتخذتم مساجد قبلة ؛ [فيكون في قوله :](٢)(أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) [الأمر باتخاذ المساجد ، ويكون في قوله : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) الأمر باتخاذ القبلة في المساجد التي أمر ببنيانها.
والثاني : قوله : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً)(٣) أي : اتخذا لقومكما بمصر مساجد على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أي : اجعلوا في بيوتكم التي بنيتم لأنفسكم قبلة تتوجهون إليها ، ويكون فيه دلالة أن نصب الجماعة واتخاذ المساجد والقبلة متوارثة مسنونة ليست ببديعة لنا وفي شريعتنا خاصة ، ويؤيد ما ذكرنا أن فيه الأمر باتخاذ المساجد.
وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) دل الأمر بإقامة الصلاة على أن الأمر ببناء البيوت أمر باتخاذ المساجد واتخاذ القبلة.
فإن قيل : هذا في الظاهر أمر باتخاذ المساجد ، والآية التي ذكر فيها اتخاذ المساجد تخرج مخرج الإباحة لنا ، وهو قوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) [النور : ٣٦] هو في الظاهر إباحة.
قيل : هو أمر في الحقيقة ، وإن كان في الظاهر إباحة ، ألا ترى أنه قال : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها ...) الآية [النور : ٣٦] ، ولا شك أن ذكر اسمه والتسبيح له أمر ؛ فدل أنه ما ذكرنا ، والله أعلم.
وأما أهل التأويل فإنهم قالوا : إنهم كانوا يخافون فرعون وملأه ، فأمروا أن يجعلوا في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرّا خوفا من فرعون (٤) ، هذا يحتمل إذا كان قبل هلاك فرعون وقبل أن يستولوا على مصر ، وإذا كان بعد هلاكه وبعد ما استولوا وملكوا على مصر وأهله فالأمر فيه ما ذكرنا ؛ أمر باتخاذ المساجد ونصب الجماعات فيها وإقامة الصلاة فيها.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في أ.
(٣) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٤) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ٥٩٧) عن : ابن عباس (١٧٨٢٢ و ١٧٨٢٣ و ١٧٨٢٤) ، ومجاهد (١٧٨٥٢ و ١٧٨٢٦ و ١٧٨٢٧ و ١٧٨٢٨) ، وقتادة (١٧٨٣٠ و ١٧٨٣١) ، والضحاك (١٧٨٣٢).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٦٦) وزاد نسبته لابن مردويه عن ابن عباس ، ولأبي الشيخ عن قتادة.