وقال بعضهم من أهل التأويل : وجهوا بيوتكم ومساجدكم نحو القبلة لكن هذا بعيد ؛ لأنه لا يكون بيتا إلا ويكون جهة من جهاته إلى القبلة ، فلا معنى له. والوجه فيه ما ذكرنا.
ويحتمل الأمر ببناء البيوت لقومهما بمصر وجعل البيوت قبلة وجهين :
أحدهما : الأمر بالانفصال من فرعون وقومه حتى إذا أرادوا الخروج من عندهم قدروا على ذلك ولا يكون المرور عليهم وكان ذلك الانفصال إنما كان من جهة القبلة.
والثاني : ما ذكرنا أرادوا أن يعتزلوهم حتى يتهيأ لهم الصلاة فيها ، وكان لا يتهيأ لهم في بيوت فرعون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل البشارة في الآخرة بالجنة وأنواع النعيم [ويحتمل أن يبشرهم بالملك في الدنيا والظفر على فرعون وأنواع النعم](١) بعد ما أصابوا الشدائد من فرعون ؛ كقوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ٢٠].
وقال أبو عوسجة : قوله : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما) تهيئا من هيأ ، أي : هيئا لهم موضعا ؛ كقوله : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) [يونس : ٩٣] أي : هيأنا لهم مهيأ صدق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) ويحتمل قوله (زِينَةً) : من أنواع ما آتاهم من الأنزال والنبات ؛ كقوله : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) [يونس : ٢٤] ونحوه. ويحتمل الزينة التي كانوا يتزينون بها من المركب والملبس ، وما يتحلون بها من أنواع الحلي وأموال كثيرة سوى ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) : قالت المعتزلة تأويل قوله : (رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أي : آتاهم لئلا يضلوا الناس عن سبيله ، ولكن أضلوهم عن سبيله وقالوا هذا كما يقال [لم أقل كذا لأجل كذا](٢) ، ولكن فعلت ونحوه من الكلام ، ولكن عندنا هو ما ذكر : آتاهم الأموال وما ذكر ليضلوا عن سبيله ؛ لأنه إذا علم منهم أنهم يضلون الناس عن سبيله آتاهم ما آتاهم ليضلوا وهو كما ذكرنا في قوله : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨] ؛ وقوله : (نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ ...) الآية [المؤمنون : ٥٦] وأمثاله فكذا هذا والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أي : اطمس على أموالهم ، واجعل في قلوبهم قساوة وغلظة تنفر الأتباع ومن
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : لم تك هذا كذا لنفعل كذا.