كقولهم : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [إبراهيم : ٤٤] ؛ وكقوله تعالى : (رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) [المؤمنون : ٩٩ ، ١٠٠] وكقولهم : (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) [فاطر : ٣٧] وأمثاله (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] ؛ فما عاينوا هم من العذاب أكبر وأشد مما عاين فرعون ، ثم أخبر أنهم لو ردوا لعادوا إلى ما كانوا يعملون لكنهم قالوا ذلك قول دفع ، فعلى ذلك إيمان فرعون إيمان دفع البأس عن نفسه لا إيمان حقيقة واختيار.
والثاني : أن الإيمان والإسلام هو تسليم النفس إلى الله ، فإذا آمن في وقت خرجت نفسه من يده لم يصر مسلما نفسه إلى الله ؛ إذ نفسه ليست في يده ولذلك لم يقبل الإيمان في ذلك الوقت وقت الإشراف على الهلاك.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن الإيمان بالله [لا يكون إلا بالاستدلال](١) بالشاهد على الغائب ، ولا يمكن الاستدلال بالشاهد على الغائب في ذلك الوقت ؛ إذ لا يكون ذلك إلا بالنظر والتفكر [وفي ذلك الوقت لا يمكن النظر والتفكر](٢) ؛ لذلك لم يكن إيمان حقيقة ، والله أعلم.
وأما قوله : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) قيل فيه بوجوه :
قيل : قوله : (نُنَجِّيكَ) من النجوة ، أي : نلقيك على النجوة وهو مكان الارتفاع والإشراف (٣) ؛ ليراه كل أحد أنه هلك ليظهر لهم أنه لم يكن إلها على ما ادعى لعنه الله ، وأما سائر أبدان قومه لم تلق على النجوة ولكن بقيت في البحر.
والثاني : قيل : (نُنَجِّيكَ) أي : نخرجك من البحر ولا نتركك فيه لتكون لمن خلفك آية.
والثالث : ننجيك ببدنك ولا نتبع بدنك روحك (٤) ؛ لأنه ذكر في القصة أنهم لما غرقوا هم وأغرق ، أخذ إلى النار ؛ كقوله : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥] أخبر أنه لم يهو جسده بروحه إلى النار ، ولكن أخرج بدنه وهوت روحه إلى النار مع سائر قومه ـ والله أعلم ـ ليرى جسده ويظهر كذبه ولا يشتبه أمره عليهم.
__________________
(١) في ب : إنما هو يكون بالاستدلال.
(٢) سقط في أ.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٦٧) ، وكذا أبو حيان في البحر (٥ / ١٨٨).
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ٦٠٧) (١٧٨٨٥ و ١٧٨٨٦ و ١٧٨٨٧ و ١٧٨٩٢ و ١٧٨٩٣) عن مجاهد.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٧٠) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.