على وجوه :
أحدها : أن سائر القرى كان إيمانها عند إقبال العذاب إليهم ووقوعه عليهم ، فلم ينفعهم [إيمانهم](١) إلا قوم يونس ، [فإن إيمانهم إنما كان لتخويف العذاب فينفعهم.
والثاني : يحتمل أن يكون قوم يونس](٢) كان نزول العذاب بهم على التخيير والتمكين إن قبلوا الإيمان أمنوا دفع العذاب عنهم ، وإن لم يقبلوا نزل بهم.
والثالث : [إنما](٣) كان إيمان سائر القرى بعد ما عاينوا مقامهم في النار فآمنوا ، فيكون إيمانهم إيمان اضطرار ، وقوم يونس آمنوا قبل أن يعاينوا ذلك ، ويشبه أن يكون قوله : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) بعد وقوع العذاب والبأس ، (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) فإنهم آمنوا إذ عاينوا العذاب قبل أن يقع بهم ، وإيمان فرعون وقومه إنما كان بعد ما غرقوا وبعد ما خرجت أنفسهم من أيديهم فلم يقبل ، وإيمان قوم يونس كان قبل أن يقع العذاب بهم وأنفسهم في أيديهم بعد فقبل ، وهو ما ذكر عزوجل : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ ...) الآية [الأعراف : ١٧١] ، آمنوا بعد ما (٤) عاينوا قبل أن يقع بهم وسائر الأمم الخالية كان منهم الإيمان بعد وقوع العذاب بهم من نحو عاد وثمود وأمثاله ، وأصله ما ذكرنا آنفا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
قوله : (كَشَفْنا عَنْهُمْ) : بحلول العذاب بهم ، (عَذابَ الْخِزْيِ) : هو العذاب الفاضح وإلا الخزي هو العذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) : قالت المعتزلة : [قوله](٥) : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ) مشيئة القهر والقسر ، لو شاء لأجبرهم وقهرهم جميعا فيؤمنوا وإلا فقد شاء أن يؤمنوا مشيئة الاختيار لكنهم لم يؤمنوا ، واستدلوا على ذلك بقوله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
فيقال لهم : إن مشيئة الاختيار هي الظاهرة عندكم ومشيئة الجبر والقهر غائبة (٦) ، فإذا وجد منه مشيئة الاختيار فلم يؤمنوا ولم تنفذ مشيئته فيهم كيف يصدق هو في الإخبار عن
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : عند ما.
(٥) سقط في ب.
(٦) في أ : غايته.