حقيقة ؛ لأنه عمل القلب والإكراه مما لا يعمل عليه ، والله أعلم.
وتأويل قوله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) أي : لا تملك أن تكرههم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لشدة حرصه ورغبته في إيمانهم كاد أن يكرههم على الإيمان إشفاقا عليهم ؛ كقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) قيل : بمشيئة الله ، وقيل : بعلم الله ، وقيل : بأمر الله (١) وبإرادته وهو ما ذكرنا لا تؤمن نفس إلا بمشيئة الله وإرادته في ذلك ، ولا يحتمل قوله : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) سوى المشيئة والإرادة ؛ لأنه كم من مأمور بالإيمان لم يؤمن ، فلم يحتمل الأمر ولا يحتمل الإباحة لأنه لا يباح ترك الإيمان في حال وأصله ما ذكرنا ؛ أنه لا يحتمل أن يكون الله ـ عزوجل ـ يعلم من خلقه اختيار عداوته والخلاف له ويشاء لهم الولاية ؛ لأنه يخرج ذلك مخرج العجز ؛ لأن في الشاهد من اختار عداوة أحد فالآخر يختار ولايته أنه إنما يختار لضعفه وعجز فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) قيل : الإثم على الذين لا يعقلون (٢) ، وقيل : ويجعل العذاب على الذين لا يعقلون (٣) ، أي : لا يستعملون عقولهم حتى يعقلوا ، أو على الذين لا ينتفعون بعقولهم.
وقال بعضهم : في قوله : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها) أي : لم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها عند نزول العذاب إلا قوم يونس.
وقال بعضهم : فهلا كانت آمنت إذا رأت بأسنا ، فكانت مثل قوم يونس ، فإنهم آمنوا حين رأوا (٤) العذاب ، وأصله ما ذكرنا أنه لا يحتمل أن يكون الله تعالى يعلم من خلقه اختيار عداوته والخلاف له يسألهم ويشاء لهم الولاية ؛ لأنه يخرج ذلك مخرج العجز ؛ لأن في الشاهد من اختار عداوة أحد فالآخر يختار ولايته أنه إنما يختار لضعفه وعجزه فيه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) قيل : وما كان لنفس في علم الله أنها لا تؤمن فتؤمن ، أي : لا تؤمن نفس في علم الله أنها لا تؤمن إنما يؤمن
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٣٧٠).
(٢) ذكره أبو حيان في البحر (٥ / ١٩٣) ونسبه لابن عباس.
(٣) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٧٤) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة ، والبغوي في تفسيره (٢ / ٣٧٠).
وكذا أبو حيان في البحر (٥ / ١٩٣) ونسبه للحسن والزجاج وأبي عبيدة.
(٤) في أ : يروا.