يدعوهم رسول الله إليه ؛ لأنه قال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) [يونس : ١٠٤] فيشبه أن يكون الحق هو الدين الذي شكوا فيه ، أي : قد جاءكم ما يزيل عنكم ذلك الشك إن لم تكابروا لما أقام عليهم الحجج والبراهين.
ويحتمل الحق محمدا صلىاللهعليهوسلم على ما ذكره بعض أهل التأويل وكان رسول الله في أول نشوئه إلى آخره آية.
ويحتمل الحق القرآن على ما ذكره بعضهم وهو ما ذكر. (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : ٤٢] ، سماه بأسماء مختلفة سماه حقّا وسماه نورا وشفاء ورحمة وهدى ونحوه ، وفيه كل ما ذكر من تأمله وتفكر فيه وتمسك به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي : من اهتدى فإنما منفعة اهتدائه له في الدنيا والآخرة ، ومن ضل فإنما يرجع ضرر ضلالته إليه وخيانته عليه ، أي : ما يأمر وينهى ليس يأمر وينهى لمنفعة تحصل له أو لحاجة نفسه إنما يأمر وينهى لمنفعة الخلق ولحاجتهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي : بمسلط. قال بعض أهل التأويل : هو منسوخ ، نسخته آية القتال ، لكنه لا يحتمل لأنه وإن كان مأمورا بالقتال فهو ليس بوكيل ولا بمسلط (١) على حفظ أعمالهم ، إنما عليه التبليغ ؛ كقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨] ؛ وكقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) [النور : ٥٤] ؛ وكقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ...) الآية [الأنعام : ٥٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) يحتمل القرآن وغيره من الوحي غير القرآن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) أي : اصبر على أذاهم لأنهم كانوا يؤذونه ويقولون فيه بما لا يليق به ، يقول : اصبر على أذاهم ولا تعجل [عليهم](٢) بالعقوبة حتى يحكم الله عليهم بالعقوبة وقت عقوبته وهو خير الحاكمين ، أو اصبر على تكذيبهم إياك حتى يحكم الله بينك وبين مكذبيك وهو خير الحاكمين ، أو اصبر على تبليغ الرسالة والقيام لما أمرت به ، والله أعلم (٣).
* * *
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٦١٩) (١٧٩٢٨) عن ابن زيد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٧٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن زيد.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : والله الموفق.