النزول
قيل : لما نزل (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) قالوا : يا رسول الله فكيف نصنع بأيماننا التي حلفنا ، وكانوا حلفوا على ما اتفقوا عليه ، فأنزل الله : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ) الآية.
وثمرة هذه الجملة تظهر ببيان الحالف ، والمحلوف به من الأيمان ، وصفة الحلف ، وموجب اليمين ، فأما بيان الحالف فهو : أن يكون بالغا عاقلا ، مختارا ، مسلما (١) ، أما البلوغ والعقل فذلك ظاهر ، إذ ليسا بمخاطبين ، ولو كان سكرانا كان حلفه كطلاقه ، كما قيل في إبلائه.
وأما قولنا : مختارا / فالمكره على الحلف لا تنعقد بيمينه عند عامة أهل البيت ، والشافعي ، ومالك ؛ لقوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) وقياسا على كلمة الكفر.
وقال أبو حنيفة : تنعقد يمينه لعموم الأدلة ، أما لو أكرهه إمام أو حاكم انعقدت إجماعا ، لئلا تبطل فائدة ولايتهما.
وأما لو حنث مكرها أو ناسيا ، وكان حلفه مختارا فإنه يحنث عند القاسمية (٢) ، ومالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ؛ لأن اليمين قد انعقدت ، والضمان يصح مع النسيان ، والإكراه على قول.
وقال الناصر : وأحد قولي الشافعي ، وهو محكي عن الصادق ، والباقر ، ومالك في رواية ، والمنصور بالله : لا يحنث (٣) ، احتجوا بقوله تعالى في سورة الأحزاب : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) وقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا).
__________________
(١) غير أخرس.
(٢) وهو المختار ، وعليه الأزهار.
(٣) وهو المختار ، وهو قول المؤيد بالله ، والمرتضى يقول : على المكره ، والمذهب قول المؤيد بالله.