وأما بيان صفة صوم الثلاثة فاختلف العلماء هل تجب المتابعة فيها أم لا؟ فظاهر كلام الهدوية وجوب التتابع ، وهو قول الناصر ، وأبي حنيفة ، وأصحابه ، وذلك مروي عن علي وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي بن كعب ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وسفيان ، وقتادة.
وقال الشافعي ، ومالك : إن شاء تابع ، وإن شاء فرق ، وهو مروي عن الحسن.
إن قيل : الآية مطلقة فمن أين وجب التتابع؟
جواب ذلك : أن في قراءة عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب : (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) وقراءة الشاذة تجري مجرى خبر الواحد ، وقد روي أن سعيد بن جبير كان يصلي تارة بقراءة ابن مسعود ، وتارة بقراءة زيد ، والخلاف مبني على أصل ، وهو هل يعمل بالقراءة التي ليست في المصحف أم لا؟
قال في النهاية : وله سبب آخر وهو : هل يحمل المطلق في هذه الآية على التتابع الواجب في أصل الشرع ، كصوم رمضان ، وهذا لا يثبت طريقا لنا ؛ لأنا لا نقيد المطلق في باب بالمقيد في الباب الآخر.
ويتعلق بهذا فرعان :
الأول : أن يقال : إذا فرق بين صوم الثلاثة لعذر يرجى زواله فقد قلتم : يجزي عند أبي العباس ، وأبي طالب ، خلافا للمؤيد بالله ، وإن كان لا يرجى ثم زال أجزأ عند الجميع ، وهذا صام ثلاثة أيام متفرقات غير متتابعات ، فلم يمتثل الأمر.
جواب ذلك أن يقال : قد ثبت بالإجماع أن امرأة لو أوجبت على نفسها صوم شهرين متتابعين ، أو لزمتها كفارة قتل ، وفرقت للحيض. جاز لها البناء ، وكان الإجماع مخصصا لجواز التفريق لعذر ، وإن ثبت في الحيض ثبت في غيره ؛ إذ الكل عذر.