الذي ذكره أنه يجوز مع خشية الهلاك الفرار إلى فئة وإن بعدت ـ إذا لم يقصد الإقلاع عن الجهاد ، وحمل عليه حديث ابن عمر ، ويكون حكم الآية باقيا غير منسوخ.
القول الرابع : ما ذكره أبو طالب ، وحكاه عن الكرخي أن الثبات والمصابرة واجب إذا لم يخش الاستئصال ، وعرف عدم نكايته للكفار ، والتجأ إلى مصر للمسلمين أو جيش ، وهكذا أطلق في (شرح الإبانة) ، فلم يبح الفرار إلا بهذه الشروط الثلاثة.
قال الفقيه بدر الدين محمد بن سليمان ـ رحمهالله تعالى ـ : الأولى أن يقال : إذا خشي استئصال المسلمين ، أو أنه يلحقهم وهن جاز الفرار ، ولو عرف النكاية ؛ لأن خشية الاستئصال تبيح قتل المسلم الذي تترس به الكفار ، فيكون هذا أولى وأخرى ، ونتأول كلام أبي طالب على هذا.
قال الحاكم : وتكون الآية ثابتة ، وحكمها ثابت على التفصيل.
وقال عطاء بن أبي رباح : إنها منسوخة بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ).
قال الحاكم : إذا أمكن الجمع فلا نسخ ، وهؤلاء الذين اعتبروا التفصيل من أبي طالب ، والكرخي لم يعتبروا العدد.
وقال الإمام يحيى : هذه الآية عامة تقضي بوجوب المصابرة ، وإن تضاعف عدد المشركين أضعافا كثيرة ؛ لكن هذا العموم مخصوص بقوله تعالى في السورة هذه : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً) فأوجب الله المصابرة على الواحدة للعشرة ؛ لأنه خبر معناه الأمر ، فلما شق ذلك على المسلمين رحمهمالله تعالى ، وأوجب على الواحد مصابرة الاثنين ، فقال تعالى في السورة هذه :