واختلف العلماء في دلالة الآية ، فعن الحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وأبي سعيد الخدري : أن الآية مخصوصة بيوم بدر ، وقد كان خرج المسلمون جميعا ، فمن فر لم يفر إلى فئة ، فأما في غير يوم بدر فيجوز الفرار ؛ لأن الفئة حاصلة وإن بعدت.
وروي عن ابن عمر : خرجت في سرية وأنا فيهم ففروا ، فلما رجعوا إلى المدينة استحيوا فدخلوا البيوت فقلت : يا رسول الله نحن الفرارون؟ فقال : «بل أنتم العكّارون ، وأنا فئتكم» والعكار : الكرار.
وانهزم رجل من القادسية ، فأتى المدينة إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا أمير المؤمنين : هلكت فررت من الزحف ، فقال عمر : أنا فئتك ، فهذا قول : إن ذلك خاص بيوم بدر.
القول الثاني : أن ذلك عام ، وهذا مروي عن ابن عباس ، وأبي مسلم.
قال الحاكم : وعليه أكثر الفقهاء ، والآية وإن نزلت يوم بدر فلا يجب قصرها عليه ، وهذا هو الظاهر من أقوال الأئمة ، وقد ادعى أبو طالب الإجماع ، ونظّر دعواه للإجماع بما يحكى من الخلاف.
وإذا قلنا : إن النهي عن الفرار ليس بمخصوص بأهل بدر ، فاختلف العلماء على أقوال :
الأول : أنه يحرم إذا بلغ جيش المسلمين اثني عشر ألفا أو أكثر ، لا إذا كان دون ذلك.
الثاني : أنه يحرم إذا كان عدد الكفار لا يبلغ ثلاثة أمثال عدد المسلمين ، فإن بلغ عددهم ذلك حل الفرار.
القول الثالث : وهو الذي صححه الحاكم أن ذلك يرجع إلى ظن المقاتل واجتهاده ، فإن ظن المقاومة لم يحل الفرار ، وإن ظن الهلاك جاز الفرار ، لقوله تعالى في سورة البقرة : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وهذا