نجس. وفيه نظر لأنّا لا نسلّم ذلك. إذ عدم التطهير ، وعدم الاجتناب عن النجاسة غالبا لا يستلزم النجاسة حقيقة نعم يظنّ كونهم ذوي نجاسة ، والأصل في الأشياء الطهارة ما لم يعلم أنّها نجسة ، وبالجملة اللازم ممّا قاله أنّ إطلاق النجاسة عليهم تجوّز ، والعلاقة ملابستهم النجاسة.
والظاهر أنّه لا يلزم من تسميتهم بالنجاسة مبالغة وتجوّزا كونهم نجاسة على الحقيقة فضلا عن نجاسة غيرهم ممّا الغالب فيه ذلك بل لا يلزم صحّة إطلاقها عليه مجازا لعدم اطّراد المجاز. فتأمّل مع أنّه يلزم كون المسلم الغالب نجاسة بدنه نجسا ويجب اجتنابه ، وليس كذلك إجماعا. هذا.
وقد أطبق علماؤنا على نجاسة من عدا اليهود والنصارى من أصناف الكفّار ، وقال : أكثرهم بنجاسة هذين الصنفين (١) أيضا ، والمخالف في ذلك ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد في المسائل الغريّة لما في بعض الروايات المعتبرة من الإشعار بطهارتهم وهي محمولة على ضرب من التأويل كما يعلم من محله.
(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) أي لا يدخلوه فالكلام على المبالغة نحو ولا تقربوا الزنا ، وقيل : المراد المنع من دخول الحرم أو المنع من الحجّ والعمرة كما كانت عادتهم من قبل لا النهي عن الدخول مطلقا ، وإليه يذهب أبو حنيفة ، ولا يخفى بعده عن ظاهر الآية ، واحتجاجهم بالخبر الدالّ عن منعهم عن الحجّ والعمرة كما سيجيء ، وهو لا يستلزم النهي عن الدخول باطل. فإنّ المنع عن الدخول مستفاد من الآية لا الخبر والخبر غير مناف لتحريم دخولهم المسجد الّذي هو صريح الآية فلا يجوز العدول عنه.
والّذي يذهب إليه أصحابنا أنّ الكفّار مطلقا ممنوعون من المسجد الحرام ، ومن كلّ مسجد ، وقد وافقنا على ذلك مالك من العامّة لكن قياسا على المسجد الحرام.
وخصّ الشافعي المنع عن الدخول بالمسجد الحرام دون غيره من المساجد لجلالة
__________________
(١) انظر تعاليقنا على كنز العرفان في مسئلة دلالة الآية على نجاسة المشرك ، والبحث عن حكم أهل الكتاب ج ١ من ص ٤٦ إلى ٥١.