(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) فلنمكّننّك من استقبالها من قولك : ولّيته كذا إذا صيّرته واليا له متمكّنا منه أو فلنجعلنّك تلي جهتها.
(تَرْضاها) أى تريدها وتحبّها وتشوّق إليها لأغراضك الصحيحة الّتي وقعت في نفسك ووافقت في ذلك مشيّة الله وحكمته.
(فَوَلِّ وَجْهَكَ) أي اصرف وجهك أو حوّل نفسك لأنّ وجه الشيء نفسه ، ويؤيّده أنّ الواجب على الشخص أن يستقبل القبلة بجملته لا بوجهه فقط ، وإنّما خصّ الوجه بالذكر لأنّه أشرف الأعضاء وبه يتميّز الأشخاص.
(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) نحو المسجد الحرام وتلقاؤه قال الشاعر :
وقد أظلّكم من شطر ثغركم |
|
هول له ظلم يغشاكم قطعا (١) |
أي من نحوه ، وقيل : الشطر في الأصل. لما انفصل عن الشيء من شطر إذا انفصل ودار مشطور : أي منفصلة عن الدور. ثمّ استعمل بجانبه ، وإن لم ينفصل كالقطر.
وقيل : الشطر النصف ، ولمّا كانت الكعبة واقعة من المسجد الحرام في النصف من جميع الجوانب اختير هذه العبارة ليعرف أنّ الواجب هو التوجّه إلى بقعة الكعبة وردّ بالفرق بين النصف والمنتصف والمكلّف مأمور بالثاني دون الأوّل. والحرام المحرّم فيه القتال والممنوع عن الظلمة أن يتعرّضوا فيه. ثمّ أشار إلى وجوب ذلك على كلّ مكلّف في كلّ مكان بقوله :
(وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أي أين ما كنتم في الأرض في برّ أو بحر سهل أو جبل. فإنّ الواجب عليكم التوجّه إلى نحو المسجد ، ولم يوجب التوجّه إلى
__________________
(١) البيت أنشده في المجمع ج ١ ص ٢٢٦ والتبيان ج ١ ص ١٧١ وشرحه القزويني في ج ٢ ص ٩١ من شرح شواهد المجمع بالرقم ٣٦٤ فقال : قوله أظلكم : أي أقبل عليكم ، ودنا منكم كأنه ألقى عليكم ظله. الثغر بالفتح : موضع المخافة من فروج البلدان. والهول : المخافة من الأمر لا يدرى ما هجم عليه فيه قوله : له ظلم : أى مظلم لما فيه من الشدائد. الاستشهاد به من حيث إن الشطر فيه بمعنى النحو : أى نحو ثغركم وتلقائه : انتهى.