الكعبة لأنّ هذا الحكم بالنسبة إلى البعيد ، وذلك لأنّ الآية الكريمة نزلت في المدينة.
ولا ريب أنّ استقبال العين من البعيد حرج عظيم ، ولأنّ أهل قبا استداروا إلى الكعبة في أثناء صلاة الصبح قبل ظهور الضياء الكامل ، ومن المعلوم أنّ مقابلة العين من المدينة إلى مكّة حيث إنّها تحتاج إلى النظر الدقيق لم يتأت لهم حينئذ. ثمّ لم ينكر النبيّ صلىاللهعليهوآله وسمّى مسجدهم بذي القبلتين ، ولأنّ استقبال عين الكعبة إن كان واجبا ولا سبيل إليه إلّا بالدلائل الهندسيّة فإنّها هي المفيدة لليقين وغيرها من الأمارات لا يفيد إلّا الظنّ والقادر على اليقين لا يجوز له الاكتفاء بالظنّ ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب لزم أن يكون تعلّم تلك الدلائل واجبا ولم يذهب إليه أحد.
وممّا ذكرنا يظهر بطلان ما ذهب إليه الشافعي في أحد قوليه من أنّ الواجب على المصلّى أن يستقبل عين الكعبة قريبا كان أو بعيدا مستدلّا عليه بظاهر الآية ، وبقوله صلىاللهعليهوآله : هذه القبلة مشيرا به إلى العين ، ولأنّ كون الكعبة قبلة أمر معلوم وغيره مشكوك فيه والأخذ بالمعلوم أحوط.
والجواب منع كون ظاهر الآية دالّا على ما ذكره بل هو في الدلالة على الجهة أقرب لأنّ الشطر الجانب كما تقدّم ، وقد اكتفى به ، والحديث محمول على القريب ، ولا ريب فيه وكون الجهة مشكوكا فيها بعد ما ذكر في محلّ المنع. قال في الكشّاف وذكر المسجد الحرام دون الكعبة دليل على أنّ الواجب مراعاة الجهة دون العين واعترضه صاحب الكشف [الكشّاف خ ل] (١) بأنّ هذا القول على مراعاة العين أدلّ
__________________
(١) اختلف نسخ الكتاب ، وفي بعضها الكشف وفي بعضها الكشاف ، ولعمر بن عبد الرحمن القزويني المتوفى سنة ٧٤٥ حاشية على الكشاف سماها الكشف و؟؟ اليقين؟؟ المتوفى ٨٠٥ أيضا حاشية على الكشاف سماها الكشاف على الكشاف [انظر كشف الظنون ط عالم ج ٢ ص ٣١٢ و ٣١٣] وليس عندنا من نسختي الكتابين حتى يبين لنا أن المصنف من أيهما أخذ الاعتراض المذكور.