لأنّهم كانوا في أيّام حجّهم لا يأكلون الطعام إلّا قوتا ، ولا يأكلون دسما يعظّمون بذلك حجّهم فقال المسلمون : نحن أحقّ بذلك فقيل لهم : كلوا واشربوا ولا تسرفوا.
(وَلا تُسْرِفُوا) أي لا تتجاوزوا الحلال إلى الحرام ولا تسرفوا في المآكل فتأكلوا ما لا يليق بحالكم كمن يطبخ الطعام في القدر ويطرح فيه المسك أو كمن لا يملك إلّا دينارا فيصرفه في أكل ما لا يليق بحاله أو في الملبس والمشرب فيلبس ثياب التجمّل وقت النوم والخدمة ، ويؤيّده ما روي عن ابن عبّاس (١) كل ما شئت والبس ما شئت ما خطأتك خصلتان : سرف ومخيلة أو لا تسرفوا في الأكل نفسه بحيث يؤدّي إلى الأمراض المهلكة ويؤيّده ما قيل : إنّ الله تعالى قد جمع الطبّ في نصف آية من كتابه ، وهي (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) وورد به بعض الأخبار (٢).
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) لا يرضى فعلهم ، وفيه دلالة على تحريم الإسراف في الأكل وغيره لكنّه كالمجمل ، وسيجيء بيانه ، ويمكن أن يقال : إنّه مقيّد بالمحرّم منهما على ما علم من خارج. ثمّ إنّه تعالى أكّد اباحة التزين وأكل المباح وشربه بقوله :
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) أي من الثياب وكلّما يتجمّل به فإنّ الزينة بإطلاقها متناول جميع أنواعها من الملابس والمراكب والحليّ وكذا كلّما يستطاب ويستلذّ من المآكل والمشارب.
(الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) خلقها لهم وأخرجها من النبات كالقطن والكتّان ومن الحيوان كالصوف والسقلاط.
(وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) والمستلذّات من المآكل والمشارب ما لا يعدّ خبيثا ينفر منه الطبع ويقبح العقل أكله ، والاستفهام للإنكار : أي لا وجه لتحريمها ، وفيها دليل على أنّ الأصل في المطاعم والملابس ، وأنواع التجمّلات واباحة وغيرها يحتاج
__________________
(١) رواه بهذا اللفظ في الكشاف ج ١ ص ٥٤٦ ورواه في الدر المنثور ج ٣ ص ٧٩ مع تفاوت يسير في اللفظ.
(٢) انظر المجمع ج ٣ ص ٤١٣.