البيضاوي على أنّ الأذان مشروع للصلاة ، وفي كلامه إجمال فإنّه إن أراد مشروعيّته في الصلاة بهذه الآية فغير ظاهر. إذ هي دالّة على أنّه كان في الشرع كيف والأذان ثبت مشروعيّته أوّل ما قدّموا المدينة ، والمائدة آخر القرآن نزولا وإن أراد أنّها تدلّ على ثبوته في الشرع قبلها فحقّ لأنّها دلّت على أنّ اتّخاذ المناداة هزء من منكرات الشرع ، وهي تقتضي أن المناداة الّتي كانوا عليها من معروفاته ، والحقوق الثابتة فيه ، ويؤيّده ما قيل في سبب نزولها (١) : إنّ رجلا من النصارى بالمدينة كان إذا سمع أشهد أنّ محمّدا رسول الله في الأذان قال : حرق الكاذب فدخلت خادمته ذات ليلة بنار وهو نائم مع أهله فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله وقد صحّ دعاؤه فيه نفسه. ولكن لا يخفى أنّ هذا لا حاجة في الدلالة عليه ، ويمكن أن يقال : مراد البيضاوي أنّ في الآية دلالة على ثبوت الأذان بنصّ الكتاب أيضا لا بالمنام وحدة كما يزعمه أكثر العامّة أو أنّ نصّ الكتاب مقرّر بحكم المنام الّذي ثبت به الأذان عندهم. فتأمّل.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) لمكان استهزائهم ولعبهم. إذ السفه يؤدّى إلى الجهل بالحقّ والهزء به فكأنّهم لا عقل لهم أو لا يعقلون ما يحصل في إجابتهم لو أجابوا إليها من الثواب وما عليهم في استهزائهم بها من العقاب.
__________________
ـ وفي الوسائل الباب ١٩ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٨ ص ٣٣٢ ج ١ ط أمير بهادر. ثم في نسخ المصادر عن زرارة أو الفضيل بن يسار ، وفي بعض النسخ عن زرارة والفضل بن يسار.
قال العلامة المجلسي في المرآة : إن الحديث يدل على ما أجمع عليه أصحابنا من أن الأذان والإقامة بالوحي لا بالنوم كما ذهب إليه العامة ، وعلى ثبوت المعراج وهو معلوم بالتواتر وعلى كون أرواح الأنبياء في السماء في أجسادهم الأصلية أو المثالية. ثم قال ويدل على جواز كون المؤذن والمقيم غير الامام وعلى جواز اتحادهما وقال ـ قدسسره ـ في شرح حديث منصور بن حازم المتقدم ، ولا ينافي ما سبق إذ مجيء جبرئيل بعد النزول إلى الأرض لشرعيتهما وبيان كيفيتهما لا ينافي وقوعهما فعله في السماء.
(١) حكاه في الكشاف تفسير الآية ج ١ ص ٤٦٩ ثم قال : وقيل : فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده وحكى القصة في البحار أيضا ج ١٨ ص ١٦٠ عن السدى.