ذلك مسلوبو العقل لأنّ العقول تأبى مثل ذلك الفعل وتدفعه وهو توبيخ عظيم لهم ، بيانه أنّ المقصود من البرّ إرشاد الغير المصلحة وتحذيره عمّا يوقعه في المفسدة والإحسان إلى النفس أولى من الإحسان إلى الغير كما يشهد به العقل والنقل وفيه دلالة على كون القبح عقليّا ، وقول التفتازاني : إنّ التوبيخ هنا مرتّب على ما صدر عنهم بعد تلاوة الكتاب وهو دليل كون القبح شرعيّا لا يخفى ما فيه لظهور أنّه مرتّب على قبح صنيعهم الّذي تدركه العقول. فتأمّل فيه.
والآية ناعية على من يعظ غيره ولا يتّعظ هو نفسه فيقدم على سوء الصنيعة وخبث النفس.
وفيها حثّ للواعظ على أن يزكّى نفسه ويطهرها ممّا يصدر على لسانه في وعظه غيره ، ولا شكّ أنّ الوعظ على ذلك التقدير أوقع في النفس ، وأسرع سماعا ، وفي الحديث أنّ الموعظة إذا خرجت من القلب نفذت إلى القلب ، ويجوز أن يكون التعجّب في الآية من جهة أنّ مثل هذه المواعظ تصير سببا للمعصية لأنّ الناس يقولون لو لا أنّ هذا الواعظ مطّلع على أنّه لا أصل لهذه التخويفات لما أقدم على المناهي فيكون داعيا لهم إلى التهاون بالدين والجرأة على المعاصي ، وهذا مناف للغرض من الموعظة. ولا يليق الكلام بالعقلاء ، وليس في الآية دلالة على عدم جواز أمر الفاسق غيره بالطاعات مع ارتكاب المعاصي كما قاله بعضهم مستدلّا بهذه الآية ، إذ لا قصور في أمر الفاسق غيره بالطاعة ووعظه بما يوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإن كان حاله على خلافها ، والأصل يقتضي ذلك أيضا فإنّ الأمر بالمعروف واجب وفعله واجب آخر ، والإخلال بأحد الأمرين الواجبين لا يستلزم الإخلال بالآخر والذمّ في الآية مرتّب على الشقّ الثاني وهو نسيان النفس عن فعل البرّ لا على مجموع الأمرين ، وعلى هذا فيجوز لتارك الصلاة أمر غيره بها.
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قيل : هو خطاب للمسلمين ، المؤمنين بالرسول صلىاللهعليهوآله لأنّ من ينكر الصلاة والصبر على دين محمّد صلىاللهعليهوآله لا يقال له : استعن بالصبر والصلاة.