وقيل هو خطاب لأهل الكتاب وإلّا لزم تفكيك النظم ولكنّه يتناول المسلمين على وجه التأديب قولكم : إذا كانوا منكرين فكيف يؤمرون قلنا : لا نسلّم كونهم منكرين فإنّ اليهود كانوا يصلّون على كيفيّة أخرى تخالف صلاة المسلمين (١) فأمرهم تعالى بالاستعانة بالصلاة على ذلك الوجه قال الشيخ في التبيان : والأولى أن يكون خطابا لجميع المكلّفين لفقد الدلالة على التخصيص واقتضاء العموم ذلك ، وهو جيّد ، والاستعانة طلب العون والمعاونة ، والصبر منع النفس عن محابها وكفّها عن هواها ، والمراد بالاستعانة على الحوائج إلى الله بالجمع بينهما بأن يصلّوا صابرين على تكاليف الصلاة متحمّلين لمشاقّها ، وما يجب فيها من صرف المال في الطهارة وستر العورة وإخلاص القلب وصدق النيّات ، ورفع الوساوس ومراعاة الآداب ، والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع ، واستحضار أنّ الصلاة انتصاب بين يدي جبّار الأرض والسموات يسأل فكّ الرقاب عن سخطه وعذابه.
ومن ثمّ قيل : إنّ الصلاة جامعة لأنواع العبادات النفسانيّة والبدنيّة حتّى تجابوا إلى تحصيل حوائجكم ، ويحتمل أن يكون المراد استعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة والتوسّل بها عند وقوعها ، وفي الحديث أنّه صلىاللهعليهوآله كان إذا حزنه أمر فزع قام إلى الصلاة (٢) وعن الصادق عليهالسلام قال : ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ، ثمّ يدخل المسجد فيركع ركعتين ويدعو الله فيها أما سمعت الله تعالى يقول (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ).
ويحتمل أن يكون المراد استعينوا على ترك ما تحبّون من الدنيا والدخول فيما تستثقله طباعكم بالصبر : أي حبس النفس عن اللذّات فإنّكم إذا كلّفتم أنفسكم
__________________
(١) انظر في ذلك قاموس الكتاب المقدس كلمة (نماز) من ص ٨٨٧ إلى ٤٩١ يشير فيه إلى مواضع ذكر الصلاة في كتب العهدين وكيفيتها.
(٢) انظر فتح القدير ج ١ ص ٦٦ أخرجه عن أحمد وأبى داود وابن جرير عن حذيفة وقريب منه في رواياتنا عن الامام الصادق عن أمير المؤمنين (ع) انظر تفسير البرهان ج ١ ص ٩٤ الحديث ٢.