يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) على أنّ المراد بها الانتظار لا الرؤية (١) وفرضنا أنّه لم ينقل عن المتقدّمين إلّا هذا الوجه دون غيره جار للمتأخّر أن يزيد على هذا التأويل ويذهب إلى أنّ المراد أنّهم ينظرون إلى نعم الله لأنّ الغرض في التأويلين جميعا إنّما
__________________
ـ مسئلة اعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنه أصحاب الرؤية في قوله تعالى ، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) على وجوه معروفة لأنهم بينوا أن النظر ليس يفيد الرؤية ، ولا الرؤية من أحد محتملاته ، ودلوا على أن النظر ينقسم إلى أقسام كثيرة منها : تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلبا لرؤيته ، ومنها : النظر الذي هو التعطف والمرحمة ، ومنها : النظر الذي هو الفكر والتأمل ، وقالوا : إذا لم يكن في أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق ، واحتجنا جميعا إلى طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية ، وتأولها بعضهم على الانتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفا ، والمنتظر منه مذكورا على عادة للعرب معروفة ، وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر ، وحمل الآية على رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالى عليهم على سبيل حذف المرئي في الحقيقة ، وهذا كلام مشروح في مواضعه ، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة ، وهيهنا وجه غريب في الآية حكى عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمدة إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف ، ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية ولا يحتملها بل يصح الاعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الانتظار بالقلب أو الرؤية بالعين ، وهو أن يحتمل قوله تعالى (إِلى رَبِّها) إلى أنه أراد نعمة ربها لان الآلاء النعم ، وفي واحدها أربع لغات إلا مثل قفا وألى مثل رمى والى مثل معى والى مثل حنى قال أعشى بكر بن وائل :
أبيض لا يرهب الهزال ولا |
|
يقطع رحما ولا يخون الى |
أراد أنه لا يخون نعمة ، وأراد تعالى الى ربها فأسقط التنوين للإضافة فإن قيل : فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية على أنه أراد به إلى ثواب ربها ناظرة بمعنى رؤيته لنعمه وثوابه قلنا : ذلك الوجه يفتقر إلى محذوف لأنه إذا جعل ـ إلى ـ حرفا ولم يعلقها بالرب تعالى فلا بد من تقدير محذوف ، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلى تقدير محذوف لأن ـ إلى ـ فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلى تقدير غيره ، والله أعلم بالصواب انتهى كلامه أعلى الله مقامه.
(١) هذا مما وقع النزاع فيه بين الإمامية ، وأهل السنة فاتفق الإمامية إلا من شذ ـ