ولو قيل : إنّ ما تقتضيه المصلحة لا بدّ أن يفعله الله فما معنى الدعاء.
لقلنا : إنّ الدعاء عبادة مخصوصة في نفسها تعبّد الله سبحانه بها عباده لما في ذلك من إظهار الخشوع والافتقار إلى الله سبحانه ، ولأنّه لا يمتنع أن يكون ما سأله العبد إنّما صار مصلحة بعد الدعاء فيحصل بالدعاء هذه الفائدة ، وفي الأخبار ما يدلّ على ذلك أيضا ، وفيها دلالة واضحة على أنّه تعالى ليس له مكان وإلّا لم يكن قريبا من كلّ من يناجيه ضرورة أنّ من كان قريبا من الشرقي كان بعيدا من الغربي ، ومن كان قريبا من حملة العرش كان بعيدا من غيرهم.
(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) فيما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعة كما أجيبهم إذا دعوني لمهامهم.
(وَلْيُؤْمِنُوا بِي) أمر بالثبات والمداومة عليه ، وفي مجمع البيان (١) روي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : وليؤمنوا بي : أى ليتحقّقوا أنّى قادر على إعطائهم ما سألوه.
(لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) يصيبون الحقّ ويهتدون إليه ، ولعلّ ذكر هذه الآية بعد التكليف بعبادات شاقّة هي الصوم وتكميل العدّة على الوجه المتقدّم للدلالة على أنّه تعالى خبير بأحوالهم سميع لأقوالهم مجيب لدعائهم مجازيهم على أعمالهم فيهون عليهم ذلك التكليف ، ويكونون حريصين على ما أمروا به غير متوانين فيه. ثمّ إنّه تعالى بيّن أحكام الصوم فقال :
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) روى علىّ بن إبراهيم (٢) بن
__________________
(١) المجمع ج ١ ص ٢٧٨.
(٢) الحديث رواه على بن إبراهيم في تفسيره ص ٣٥ والعياشي ج ١ ص ٨٣ الرقم ١٩٨ وعلم الهدى في رسالة المحكم والمتشابه ط تهران ١٣١٢ ص ١٣ والفقيه ج ٢ ص ٨١ الرقم ٣٦٢ والتهذيب ج ٤ ص ١٨٤ الرقم ٥١٢ والكافي ج ١ ص ١٩٠ وهو في المرآة ج ٣ ص ٢٢٣ والبحار عن العياشي والعماني ج ٢٠ ص ٦٩ و ٧٠ والوسائل الباب ٤٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ص ٨٠ ج ٢ ط أمير بهادر ، والمستدرك ج ١ ص ٥٦١ والبرهان ـ