يرد أنّ النقل ورد في العمل بالحديث الموافق لظاهر القرآن دون ما خالفه لأنّ ذلك مع تساوى الطرفين لا مع ترجّح أحدهما ، والمرجّح هنا حاصل من وجوه كثيرة : الأخبار الصحيحة به ، وذهاب الأكثر إليه حتّى ادّعى جماعة من علمائنا عليه إجماع الفرقة المحقّة ، وكلام ابن بابويه غير صريح في تجويز ذلك ، وإنّما نقله في المقنع رواية (١) على أنّا لا نسلّم أنّ تقييد الإطلاق ونحوه بالأخبار ممّا يخالف ظاهر القرآن فإنّ التقييد والتخصيص شائع ذائع في كلّ مطلق وعامّ ، ويحتمل أن يكون الأخبار الواردة بالإصباح محمولة على الضرورة والعذر كخوف البرد أو عوز الماء أو انتظاره حتّى يسخن أو غير ذلك من الوجوه المسوّغة للتأخير ، وبمثل ذلك نجيب عن الدليل الثاني ، ونزيد عليه أنّ الظاهر من القيد رجوعه إلى الأخيرة كما هو المذهب المنصور في تعقيب الجمل بالقيد فيتعلّق بالشرب ، ولا ينافيه ثبوت الحكم في الأكل أيضا لأنّ ذلك لدليل خارجي وأنّهما شيء واحد تعلّق بهما القيد.
ويؤيّد ذلك هنا انفصال حكم الجملة الاولى من الأخيرة بطلب الابتغاء [الاستيفاء خ ل] على بعض الوجوه. فتأمّل.
(ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) بيان آخر وقته ، واستدلّ به على جواز نيّة الصوم بالنهار نظرا إلى أنّ ثمّ للتراخي والإتمام المأمور به على التراخي إمّا بالنيّة أو بترك المفطر إذ لا ثالث لهما لكن ترك المفطر يجب من الفجر على الفور بالإجماع فيتعيّن النيّة ، وفيه نظر لظهور أنّ المراد بإتمام الصوم الاستمرار عليه وهو إنّما يكون بعد فعله فهو متراخ عنه فسقطت الدلالة ، وقد يحتجّ على ذلك بظاهر الغاية لاقتضائها أنّ ابتداء الصوم من الفجر ، وظاهر أنّ الصوم ليس هو الإمساك فقط بل هو مع النيّة فيكون الأمر بإيقاع النيّة ثابتا بعد الفجر ، وفيه نظر فإنّ مقتضى وجوب الصوم من
__________________
(١) انظر ص ٦٠ من المقنع ط قم ١٣٧٧ والحديث هكذا ، وسأل حماد بن عثمان أبا عبد الله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل إلى أن طلع الفجر فقال : كان رسول الله يجامع نسائه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه ، ونقله في الوسائل أيضا عن المقنع الباب ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣ ص ٧٤ ج ٢ ط أمير بهادر.