ذلك مرادا هنا ، ومع هذا الاحتمال لا تتمّ المعارضة به ، وعن الثاني بالفرق بينه وبين الصلاة فإنّها بمجرّدها عبادة بخلاف الاعتكاف فإنّه بمجرده لا يكون عبادة فاشترط فيه الصوم ، ولعلّ ظاهر الآية يشعر بالاشتراط. إذ المخاطب بالنهي عن المباشرة حال الاعتكاف هم الصائمون فاستفيد منها جوازه للصائم وكان مشروعيّته لغيره متوقّفة على الدليل إذ هي عبادة يتوقّف التعبّد بها على الورود من الشارع وهل يتقدّر الاعتكاف بزمان أم لا؟.
فقالت الشافعيّة : لا يتقدّر بزمان أصلا حتّى لو نذر اعتكاف ساعة صحّ ولو نذر اعتكافا مطلقا خرج عن النذر باعتكافه ساعة كما لو نذر أن يتصدّق مطلقا فإنّه يخرج عن النذر بالتصدّق بما شاء ، وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز اعتكاف أقلّ من يوم بشرط أن يدخل قبل طلوع الفجر ، ويخرج قبل غروب الشمس والّذي ذهب إليه أصحابنا أنّ الاعتكاف لا يكون في أقلّ من ثلاثة أيّام ، وقد انعقد إجماعهم عليه ، وتظافرت به الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام ، وتمام الكلام يعلم من محلّه.
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) أي الأحكام الّتي ذكرت صريحا أو ضمنا على ما عرفت.
(فَلا تَقْرَبُوها) نهي أن يقرب الحدّ الحاجز بين الحقّ والباطل لئلّا يداني الباطل فضلا عن أن يتخطى عنه ، وفيه مبالغة ليست في قوله : فلا تعتدوها ، وفي الحديث عنه صلىاللهعليهوآله قال : ألا وإنّ لكلّ ملك حمى وإنّ حمى الله محارمه (١) ومن رتع حول
__________________
(١) الحديث هكذا ، عن النعمان بن بشير يقول : سمعت رسول الله (ص) يقول :
الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات كراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله في أرضه محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب الايمان ج ١ ص ١٣٥ فتح الباري وفي كتاب البيوع ج ٥ ص ١٩٤ ومسلم في المساقاة والمزارعة ج ١١ ص ٢٦ شرح النووي ، وأبو داود في البيوع ج ٣ ص ٣٣١ الرقم ٣٣٢٩ و ٣٣٣٠ والنسائي اليوع ج ٧ ص ٢٤١ والأشربة ج ٨ ص ٣٢٧ ـ