المسجد إلّا مجتازين إنّ الله تبارك وتعالى يقول (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) وفي الآية الكريمة وجه آخر ذكره بعض فضلاء العربيّة من أصحابنا ، وهو أن تكون الصلاة في قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) على معناه الحقيقيّ ، وفي قوله (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) على معناه المجازيّ : أي مواضعها ، وعدّ ذلك من باب الاستخدام (١) قال في كتابه بعد أن عرّف الاستخدام بأنّه عبارة عن أن يأتي المتكلّم بلفظة مشتركة بين معنيين مقرونة بقرينتين يستخدم بكلّ قرينة منهما معنى من معنيي تلك اللفظة ، وفي الآية الكريمة قد استخدم سبحانه لفظ الصلاة لمعنيين :
أحدهما : إقامة الصلاة بقرينة قوله سبحانه (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ).
والآخر : موضع الصلاة بقرينة قوله (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) انتهى كلامه ، وهذا نوع من الاستخدام غير مشهور ، وحمل الآية عليه مع عدم ما يوجب المصير إليه بعيد وعلى اعتباره فجواز الاجتياز للجنب في المساجد مقيّد عند علمائنا بما عدا المسجدين وبذلك وردت الروايات وانعقد إجماعنا عليه ، وأطلق الشافعيّة جواز الاجتياز ومنع الحنفيّة منه إلّا أن يكون الماء فيه أو الطريق ، وقد استنبط فخر المحقّقين من هذه الآية عدم جواز الطواف بالبيت للجنب المتيمّم بل ولا مكثه في شيء من المساجد ، وإن تيمّم تيمّما مبيحا للصلاة لأنّه سبحانه علّق دخول الجنب إلى المسجد على الإتيان بالغسل لا غير بخلاف صلوته فإنّه تعالى علّقها على الغسل مع وجود الماء ، وعلى التيمّم مع العدم ، وحمل الطواف والمكث على الصلاة في ذلك قياس لا نقول به.
__________________
(١) الاستخدام على ما عرفه أهل الأدب أن يؤتى بلفظ له معنيان أو أكثر (حقيقيان أو مجازيان أو مختلفان) يراد به إحداهما ثم يراد بضميره المعنى الأخر أو يعاد عليه ضميران يراد بثانيهما غير ما أريد بأولهما مثل : أقر الله عين الأمير ، وكفاه شرها وأجرى له عذبها وأكثر لديه تبرها ، وانشدوا :
وللغزالة شيء من تلفته |
|
ونورها من ضياء خديه مكتسب |
أراد بالغزالة الحيوان المعروف وبضمير (نورها) الغزالة ، بمعنى الشمس.