وهذا القول بعيد لأنّه حينئذ ذكر أوّلا حكم الصحيح وعيّن له الغسل. ثمّ عيّن للمعذور التيمّم بدل عنه فاقتضى ذلك أنّ الغسل متعيّن على الصحيح والتيمّم على المعذور في جميع ما يحتاج إليه من عبادة وغيرها لعدم تعقّل الفرق بين العبادات مع أنّ احترام المساجد لكونها مواضع للصلاة فإذا أباح التيمّم الدخول فيها أباح الدخول في المساجد بطريق أولى ، ولأنّه يلزم المحذور ، وهو إمّا عدم وجوب الطواف عليه أو عدم تحلّله حتّى يتمكّن من الغسل وهو حرج منفيّ بالعقل والنقل.
ويؤيّد العموم ما في الأخبار المتكثّرة الدالّة على أنّه أحد الطهورين ، وأنّه يكفى عشر سنين فإنّ ربّ الماء وربّ التراب واحد (١) ونحو ذلك ممّا هو صريح في العموم ، ولأنّ استفادة ما ذكره من الآية إن كان على التفسير الأوّل من كون المراد الصلاة نفسها فواضح العدم ، وإن كان على الثاني فلأنّ المراد النهي عن قرب مواضع الصلاة جنبا ، ولا نسلّم صدق الجنب عليه بعد التيمّم بل هو متطهّر ، والمراد بالجنب غير المغتسل كما مرّ على أن ذكر الغسل في الآية جاز أن يكون لخروجه مخرج الأغلب ومعه لا يكون المفهوم حجّة كما ثبت في محلّه ، وهذا الاحتمال غير بعيد من ظاهر اللفظ بل مساو لما ذكره فلا يصار إليه بل يترجّح هذا بما ذكرناه من الوجوه ، وقد يستدلّ بالآية على عدم احتياج غسل الجنابة إلى الوضوء لأجل الدخول في الصلاة لأنّه جعل النهي عن قربان الصلاة مغيّا بالغسل ، ولو كان مفتقرا إلى الوضوء أيضا لكان بعض الغاية غاية وهو باطل.
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ).
قد تقدّم بيان ذلك مفصّلا وإطلاق مسح الوجه واليد مقيّد بما سبق من كونه ببعض. الصعيد حتّى لو تيمّم بالحجر لا يجزيه على هذا كما أشير إليه وهو قول بعض أصحابنا (٢) وتبعهم الشافعيّة وإن أجازه الآخرون.
__________________
(١) انظر صفحة ٦٧.
(٢) انظر المختلف ص ٤٨.