والاستدلال مبني على أنّ المراد به المتعارف بين الناس كما هو المتبادر من هذا اللفظ في مصطلح اليوم ؛ ولكن الظاهر أنّ المراد هو كلّ خصلة تعرف صوابها العقول وتطمئن إليها النفوس ولا صلة له بالرسوم والأعراف القومية. (١)
يقول السيد الطباطبائي : العرف هو ما يعرفه عقلاء المجتمع من السنن والسير الجميلة الجارية بينهم ، بخلاف ما ينكره المجتمع وينكره العقل الاجتماعي من الأعمال النادرة الشاذة. (٢)
والإمعان فيما ورد في الآية من الجمل الثلاث ، يكشف عن أنّه سبحانه يأمر النبي بالأخذ بخصال ثلاث كلّها خير وصلاح ، وهي :
أ. العفو عن المجرم وقبول عذره وبالتالي المداراة مع الناس.
ب. الدعوة إلى خصال الخير التي يعرفها العقل والشرع.
ج. الصبر والاستقامة أمام إيذاء الجاهلين.
وأين هذا من دلالة الآية على العادات السائدة بين الناس ، سواء أكانت لها جذور في العقل والشرع أم لا؟
ولذلك فسّر السيوطي الآية بالنحو التالي : (خُذِ الْعَفْوَ) : اليسر من أخلاق الناس ، ولا تبحث عنها (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) : المعروف ، (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) : فلا تقابلهم بسفههم. (٣)
وعلى ضوء هذا فالاستدلال بالآية على اعتبار الحسن والقبح العقليين أظهر من الاستدلال على غيره ، فالعقل يدرك حسن الأفعال وقبحها في مجالات مختلفة.
__________________
(١). مجمع البيان : ٢ / ٢١٢.
(٢). الميزان : ٩ / ٣٣٠.
(٣). تفسير الجلالين : ٢٢٢.