حجّتهم ، بإرسال الرسل وأتم الحجّة عليهم به ، مكان احتجاج العباد على الله إن لم يبعث الرسل. والآية خير دليل على أنّه لا يحتج عليهم إلّا بالبيان الواصل ، وإلّا لاحتجّ العباد على الله سبحانه بأنّه أهمل بيان مقاصده وأغراضه بترك إرسال الرسل.
وليست الآية ، هي الآية الفريدة في المقام بل تعزّزها آيات أُخرى يشهد الكلّ على أنّ الاحتجاج لا يتمّ إلّا ببيان واصل ، لا بالشكّ في التكليف ، يقول سبحانه : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(١) ، فالآية كنظيرتها ، صريحة في أنّ احتجاجه سبحانه على العباد ، أو احتجاجهم عليه ، يدور مدار البيان الواصل وعدمه ، فلو صدر البيان من المولى ، لصحّ الاحتجاج على العباد ، وإلّا لصحّ العكس ، والله سبحانه لإيصاد باب احتجاجهم عليه ، بعث الأنبياء مبشرين ومنذرين ليكون لله سبحانه عليهم الحجّة ، دون أن يكون لهم الحجّة عليه.
٣. انّه سبحانه يتبرّأ في كثير من آياته من التعذيب قبل البيان ، ويراه أمراً غير ممكن أو غير لائق بشأنه تعالى وما هذا إلّا لقبحه ويقول :
(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً). (٢)
(ما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً). (٣)
إنّ «كان» الناقصة إذا استعملت مع «ما» النافية يراد بها أحد المعنيين :
__________________
(١). طه : ١٣٤.
(٢). الإسراء : ١٥.
(٣). القصص : ٥٩.