وأما الكلام عن (عَيْنَ الْيَقِينِ).
فإنه إن كان اصطلاحا أيضا ، فلا بد أن يكون درجة أعلى من علم اليقين. وذلك لأننا نجد فرقا بين العلم والعيان. فالعلم صورة ذهنية ولكنها مشددة ومؤكدة. أما العيان فهي رؤية حسية مباشرة. فالإنسان يومئذ يرى يوم القيامة أو الجنة أو جهنم. كما يرى الأشياء في الدنيا. قال تعالى (١) : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ).
وبذلك ، يندفع الإشكال على هذا التركيب. فإن فيه إشكالا من ناحيتين :
إحداهما : التنافي بين العلم واليقين ، فلا يجوز تقييد أحدهما بالآخر. لأنه يكون من تقييد المتنافيين.
ثانيتهما : أن أحدهما عين الآخر ، فلا حاجة إلى التقييد ، لأنهما متساويان.
وكلا التقديرين ليس بصحيح ، والحق أن أحدهما يختلف عن الآخر.
ونبدأ بالإشكال بالناحية الأولى بإظهار كونهما متنافيين كما يلي :
إن قلت : عين اليقين غير مناسب. لأن العين إحساس واليقين وجدان ، فهما متنافيان وليسا من باب واحد.
قلت : إن الإحساس طريق الوجدان. والعين هنا لا يراد بها العين العضوية أكيدا ، بل نتيجتها ، وهو الإحساس البصري أو ما كان واضحا للفرد بمنزلته ، كالإحساس بيوم القيامة ونحوه. إذن ، فالإحساس منتج لليقين ، فلا تنافي بينهما.
لا يقال : إن الإحساس مساوق دائما لليقين ، فيكون من عطف المتساويين على بعضهما البعض.
جوابه : بالالتفات إلى ما يصل إلى الحس من الأوهام والمغالطات
__________________
(١) الذاريات / ٢٣.