عاملت به عبادك من فضلك وكرمك ، وعطفك ولطفك ورأفتك ورحمتك.
ثمّ كيف يصيح الشيطان ويريد الرحمن من ذلك امورا ، ثمّ يعاتبهم على ذلك ويتلو الرسول آياته تلك عليهم وهم لا يحيرون جوابا يعتذرون به إليه ، بل هم يسمعون فينصتون وينكصون ويسكتون؟!
ثمّ كيف يصيح الشيطان ، ويصرّح المازني بأنّ الله أراد من ذلك امورا (١) ولا ينقل مثل ذلك أو شيء منه عن النبيّ وآله ولا أنّهم سألوهم عنه؟!
ويكفينا هذا العرض لردّ مثل هذه المزعمة التبريريّة ، وقالوا قديما : توجيه الغلط غلط آخر ، بل أكبر.
ولذلك لم يعتمد على ذلك المحقّقون في السيرة والمغازي :
قال ابن أبي الحديد : قرأت هذه الغزاة (احد) من كتاب الواقدي على النقيب أبي يزيد ؛ وقلت له : إنّي أستعظم ما جرى لهؤلاء في هذه الوقعة! فكيف جرى ذلك؟
قال : بعد قتل أصحاب الألوية حمل قلب المسلمين على قلب المشركين فكسره ، فلو ثبتت مجنّبتا رسول الله اللتان فيهما اسيد بن حضير والحباب بن المنذر بإزاء مجنّبتي المشركين لم ينكسر عسكر الإسلام ، ولكن مجنّبتا المسلمين أطبقت إطباقا واحدا على قلب المشركين مضافا إلى قلب المسلمين ، فصار عسكر رسول الله قلبا واحدا وكتيبة واحدة ... فلمّا رأت مجنّبتا قريش أن ليس بإزائها أحد استدارت المجنّبتان من وراء عسكر المسلمين ، وصمد كثير منهم للرماة الذين كانوا يحمون ظهر المسلمين فقتلوهم عن آخرهم لأنّهم لم يكونوا ممّن يقومون لخالد وعكرمة وهما في ألفي رجل وإنّما كانوا خمسين رجلا ، لا سيّما وقد شره كثير
__________________
(١) مغازي الواقدي ١ : ٢٣٥.