وفي طريق الرجوع :
قال القمي : لما رجع رسول الله من غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق ـ في سنة خمس من الهجرة ـ نزل على بئر ، وكان الماء فيها قليلا ، فاجتمعوا على البئر ، فتعلق دلو سيّار بن أنس (١) ـ حليف الأنصار ـ بدلو جهجاه بن سعيد الغفاري ـ وكان اجيرا لعمر بن الخطاب ـ فقال سيّار : دلوي ، وقال جهجاه : دلوي وضرب بيده على وجه سيّار ، فسال منه الدم ، فنادى سيار بالخزرج! ونادى جهجاه بقريش! وثارت الفتنة ، وسمع عبد الله بن ابي (بن سلول الخزرجي) النداء فسأل : ما هذا؟ فأخبروه الخبر.
فغضب غضبا شديدا وقال : إنّي لأذل العرب! قد كنت كارها لهذا المسير ما ظننت أن أبقى الى أن أسمع مثل هذا فلا يكن عندي تغيير!
ثم اقبل على اصحابه وقال : هذا عملكم! أنزلتموهم منازلكم ، وواسيتموهم بأموالكم ، ووقيتموهم بأنفسكم ، وأبرزتم نحوركم للقتل ، فأرمل نساؤكم ، وايتم صبيانكم. ولو اخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم. ثم قال : لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ!
وكان ذلك في وقت الهاجرة ، وكان رسول الله في ظل شجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والانصار. وكان زيد بن أرقم غلاما قد راهق (وقد سمع كلام ابن ابي) فجاء فأخبر النبي صلىاللهعليهوآله بما قال عبد الله بن ابي.
فقال رسول الله : يا غلام لعلّك وهمت؟! قال : لا والله ما وهمت.
__________________
(١) يتكرر اسم سيّار في الخبر عدّة مرات ، وهنا : أنس بن سيار! بينما سيأتي عن ابن إسحاق أنّ اسمه سنان بن وبر الجهني حليف بني عمرو بن عوف من الخزرج.