وأقبل ابو سفيان بالعير ، فلما شارف بدرا تقدم العير وأقبل وحده حتى انتهى الى ماء بدر ، وكان بها رجل من جهينة يقال له : كشد الجهني (١) فقال له : يا كشد ، هل لك علم بمحمد وأصحابه؟ قال : لا. قال : واللات والعزّى لئن كتمتنا أمر محمد فلا تزال قريش معادية لك آخر الدهر ؛ فانه ليس أحد من قريش الا وله في هذه العير شيء فصاعدا ، فلا تكتمني.
فقال (كشد) : والله ما لي علم بمحمد ، وما بآل محمد وأصحابه بالتجار؟! إلّا أني رأيت في هذا اليوم راكبين أقبلا وأناخا راحلتيهما واستعذبا من الماء ورجعا ، فلا أدري من هما.
فجاء أبو سفيان الى مناخ ابلهما ففتّ أبعار الابل بيده فوجد فيها النوى فقال : هذه علائف يثرب! هؤلاء عيون محمد!
ورجع مسرعا وأمر بالعير فأخذ بها نحو ساحل البحر ، وتركوا الطريق ومرّوا مسرعين. ونزل جبرئيل على رسول الله فأخبره : أن العير قد أفلتت ، وأن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها. وأمره بالقتال ، ووعده النصر.
اختبار الأنصار :
وكان نازلا ماء الصفراء ، فأحبّ أن يبلو الأنصار ، لأنهم إنمّا وعدوه أن ينصروه في الدار.
فاخبرهم : إن العير قد جازت ، وإن قريشا قد أقبلت لتمنع عن عيرها ، وإن الله قد أمرني بمحاربتهم.
فجزع أصحاب رسول الله من ذلك وخافوا خوفا شديدا!
فقال رسول الله : أشيروا علي.
__________________
(١) في القمي : كسب. وأثبتنا ما في ابن هشام والواقدي واليعقوبي والطبري.