لقد وجدت الموت قبل ذوقه |
|
إنّ الجبان حتفه من فوقه |
فقلت في نفسي : والله ما يدري عامر ما يقول. وسمعت بلالا يقول :
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة |
|
بفخّ وحولي إذخر وجليل؟! |
فرجعت وقلت لرسول الله : انهم ليهذون وما يعقلون من شدّة الحمّى ، وذكرت له ما سمعته منهم ، فقال : «اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة أو أشد ، وبارك لنا في مدّها وصاعها ، وانقل وباءها الى مهيعة (١) فصرف الله تعالى ذلك عنهم. وكأنّه استبدل بهذه المناسبة اسمها من يثرب ـ بمعنى المتقطّع أو الموبوء ـ الى المدينة ، تفاؤلا باستبعاد الوباء والحمّى عنها ، كما ابعد عنها اسمها المتضمّن لذلك المعنى المكروه.
رأس المنافقين :
ولعلّ ممن أصابته هذه الحمّى من أصحاب رسول الله من غير المهاجرين سعد بن عبادة ، وقد مرّ خبر عروة عن عائشة أنها عادت أباها ومولييه ولم يرو عنها عيادة النبيّ لهم ، ولكنه روى عن اسامة بن زيد عيادة الرسول لسعد بن عبادة قال : ركب رسول الله الى سعد بن عبادة يعوده من شكوى أصابته ، على حمار مخطوم بخطام من الليف فوقه قطيفة فدكيّة ، فركبه وأردفني خلفه. فمرّ في طريقه الى سعد على عبد الله بن أبيّ ابن سلول وهو في ظلّ وحوله رجال من قومه منهم عبد الله بن رواحة في رجال من المسلمين ، فلما رآه رسول الله كره أن يتجاوزه ولا ينزل إليه. فنزل وجلس قليلا. ثم تلا القرآن ودعا الى الله عزوجل وذكر الله وحذّر وبشر وأنذر ، وابن أبيّ ساكت لا يتكلم ، حتى اذا فرغ
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٣٨ ، ٢٣٩. والمهيعة : الطريق الواسع.