رسول الله من مقالته ، قال : يا هذا إنه لا أحسن من حديثك هذا ـ إن كان حقّا ـ! فاجلس في بيتك! فمن جاءك له فحدّثه ايّاه ، ومن لم ياتك فلا تغشه به ، ولا تأته في مجلسه بما يكره منه!.
فقال عبد الله بن رواحة : بلى فاغشنا به وائتنا في مجالسنا ودورنا وبيوتنا! فهو والله مما نحب ومما اكرمنا الله به وهدانا له! فقال عبد الله بن أبيّ :
متى ما يكن مولاك خصمك لا تزل |
|
تذلّ ويصرعك الذين تصارع |
فقام رسول الله حتى دخل على سعد بن عبادة وفي وجهه الغضب.
فقال سعد : والله ـ يا رسول الله ـ إنّي لأرى في وجهك شيئا ، لكأنّك سمعت شيئا تكرهه؟!
قال : أجل. ثم أخبره بما قال ابن أبيّ.
فقال سعد : يا رسول الله أرفق به ، فو الله لقد جاءنا الله بك ، وإنّا لننظم له الخرز لنتوّجه ، فو الله إنّه ليرى أن قد سلبته ملكا (١).
وروى ابن اسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة : أن رسول الله لما قدم المدينة كان عبد الله بن أبيّ بن سلول العوفي لا يختلف عليه في شرفه من قومه اثنان. وإذ كان معه من الأوس رجل مثله شريفا مطاعا في قومه هو أبو حنظلة عبد عمرو بن صيفيّ ، واذ كان هذا مع ابن ابيّ لذلك اجتمعت عليه الأوس والخزرج لم تجتمع على رجل من أحد الفريقين غيره قبله ولا بعده ، فكان قومه قد نظموا له الخرز ليتوّجوه ثم يملّكوه عليهم.
وبينما هم على ذلك إذ جاءهم الله تعالى برسوله فانصرف قومه عنه الى الاسلام ، فكان يرى أن رسول الله قد استلبه ملكا فضغن عليه ، ولكنّه لما رأى
__________________
(١) سيرة ابن هشام ٢ : ٢٣٦ ، ٢٣٧ بتصرف.