فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في بضعة وعشرين رجلا ـ وقيل : في أربعين ، وقيل : في سبعين رجلا ـ من خيار المسلمين ، منهم : الحارث بن الصمّة ، وحرام بن ملحان ، وعامر بن فهيرة (١) ومعهم كتاب رسول الله.
فساروا حتى نزلوا بئر معونة ، وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم. فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله إلى عامر بن الطفيل ، فلمّا أتاه لم ينظر (عامر) في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله وهو يقول : الله أكبر! فزت (٢) وربّ الكعبة!
ثمّ دعا (عامر) بني عامر إلى قتالهم ، فقالوا : لا نخفر أبا براء! فاستصرخ قبائل من بني سليم : عصيّة ورعلا وذكوان فأجابوه وأحاطوا بالقوم في رحالهم. فلمّا رأوهم أخذوا أسيافهم وقاتلوا القوم حتى قتلوا عن آخرهم (٣) وإنّما كانوا قد خلّفوا في سرحهم عمرو بن اميّة الضمري ورجلا آخر من الأنصار (المنذر بن محمّد (٤)) فلم ينبئهما بمصاب القوم إلّا الطير تحوم على العسكر ، فقالا ، والله إنّ لهذا الطير لشأنا! فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم! فقال الأنصاري (المنذر بن محمّد) لعمرو الضمري : ما ترى؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري (المنذر بن محمّد) : لكني لم أكن أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه
__________________
(١) وقال الواقدي : هؤلاء هم القرّاء الذين بعثهم إلى بئر المعونة.
(٢) روى ابن إسحاق عن جبّار بن سلمى العامري قال : طعنت يومئذ رجلا منهم بالرمح بين كتفيه فخرج سنان الرمح من صدره فسمعته يقول : فزت والله! فسألت عن قوله فقالوا : للشهادة ـ ٣ : ١٩٦. ورواه الواقدي ١ : ٣٤٩.
(٣) وقال ابن إسحاق : إلّا كعب بن زيد من بني النجّار فإنّهم تركوه وبه رمق فرفع من بين القتلى فعاش ورجع إلى المدينة ثمّ قتل يوم الخندق ٣ : ١٩٤.
(٤) ابن هشام ٣ : ١٩٥.