وقال الواقدي : كان بدر الصفراء مجمعا يجتمع فيه العرب ، وسوقا تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثماني ليال خلون منه ، فإذا مضت ثماني ليال منه تفرّق الناس إلى بلادهم.
ولمّا أراد أبو سفيان أن ينصرف يوم احد نادى : موعد بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي فيه فنقتتل!
فافترق الناس على ذلك ، ورجعت قريش فخبّروا من قبلهم بالموعد وتهيّأوا للخروج وأجلبوا ، وطمعوا فيه بمثل ظفرهم حينما رجعوا من احد والدولة لهم.
ولما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج إلى رسول الله وأحبّ أن يقيم رسول الله وأصحابه بالمدينة لا يوافون الموعد ، فكان كل من يرد عليه مكة يريد المدينة يظهر له : أنا نريد أن نغزو محمدا في جمع كثيف!
وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة ، فجاءه أبو سفيان بن حرب في رجال من قريش وقال له : يا نعيم ، إنّي وعدت محمدا وأصحابه يوم احد أن نلتقي نحن وهو ببدر الصفراء على رأس الحوس ، وقد جاء ذلك.
فقال نعيم : ما أقدمني إلّا ما رأيت محمدا وأصحابه يصنعون من إعداد السلاح والكراع ، قد تجلّب إليه حلفاء الأوس من بليّ وجهينة وغيرهم ، فتركت المدينة أمس وهي كالرمّانة!
فقال أبو سفيان : أسمعك تذكر ما تذكر وما قد أعدّوا ، وهذا عام جدب ، وإنّما يصلحنا عام خصب غيداق ترعى فيه الظهر والخيل ونشرب اللبن ، وأنا أكره أن يخرج محمد وأصحابه ولا أخرج فيجترءون علينا ، ويكون الخلف من قبلهم أحبّ إليّ ، ونجعل لك عشرين فريضة : عشرا جذاعا (في الخامسة) وعشرا حقاقا (في الرابعة) وتوضع لك على يدي سهيل بن عمرو ويضمنها لك.