والمسلمون قد عسكروا في الخندق وأمرهم رسول الله فأظهروا العدّة ولبسوا السلاح ووقفوا في مواقفهم ولزموا مواضعهم ، فلا يجيبون أحدا من المشركين ولا يردّون عليهم شيئا.
وأقاموا على ذلك شهرا لم يكن بينهم قتال إلّا نضح بالنبل ورمي بالحجارة من وراء الخندق (١) فلمّا طال ذلك بهم ونفدت أزوادهم اجتمعوا وندبوا من ينتدب منهم إلى اقتحام الخندق على رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فانتدب لذلك منهم (رجال أبطال) وكان أشدّ من فيهم وأنجدهم عمرو ابن عبد ودّ (٢) يعرف له ذلك جميعهم ، وكان قد شهد بدرا مع المشركين وأثخن جراحة ونجا بنفسه فيمن نجا ، ولم يشهد احدا ، فأراد أن يبين بنفسه وأنّه من أبطال قريش ، فتعلّم بعلامة ليشهر نفسه.
وجاء القوم إلى الخندق فمشوا حوله حتى أتوا إلى موضع ضيّق منه فأقحموا خيلهم فيه فدخلوا ، ووقف الجميع من وراء الخندق ينتظرون ما يكون منهم ، وثبت الناس في معسكرهم حسبما أمرهم الرسول به ، ولما تداخلهم من الخوف وما عاينوه من الجموع (٣).
وقال القمي في تفسيره : وافى عمرو بن عبد ودّ وهبيرة بن وهب ، وضرار
__________________
(١) وفي إعلام الورى ١ : ١٩٢ : وأقبلت الأحزاب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فهال المسلمون أمرهم ، فنزلوا ناحية من الخندق وأقاموا بمكانهم بضعا وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا الرمي بالنبل والحصى. وكذلك في مجمع البيان ٨ : ٥٣٦ عن أصحاب السير.
(٢) ودّ : اسم صنم بني عامر عشيرة عمرو ، وجاء اسمه في سورة نوح : (وَقالُوا : لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً ...) نوح : ٢٣.
(٣) شرح الأخبار ١ : ٢٩٢ و ٢٩٣ وقريب منه في مجمع البيان ٨ : ٥٣٧ عن أصحاب السير. وانفرد اليعقوبي ١ : ٥١ : أنّ البراز كان في اليوم الخامس.