النساء. وكان سقف البيت منخفضا فكانت سيوفنا ترتدّ إلينا ، فاتّكأت بسيفي على بطنه حتّى سمعت صوت نفوذه في الفراش ، فعرفت أنّه قتل ، وأصابه من معي أيضا ، ولمّا تصايحت امرأته تصايح أهل الدار ولكنّهم لم يفتحوا أبوابهم طويلا حتّى نزلنا واختبأنا في منهر خيبر (١) ثمّ خرجت اليهود ومعهم كبيرهم الحارث أبو زينب في أيديهم النيران في شعل السعف يطلبوننا ، ونحن في بطن المنهر وهم على ظهره فلا يروننا. ولمّا أوعبوا في الطلب فلم يروا شيئا رجعوا إلى امرأته.
وقال قومنا فيما بينهم : لو أنّ بعضنا أتاهم فنظر هل مات الرجل أم لا؟ وكان أبو قتادة الأسود بن خزاعي (٢) قد نسي قوسه وذكرها بعد ما نزلنا ... فخرج الأسود وتشبّه بهم فجعل في يده شعلة كشعلهم حتّى دخل مع القوم ... وكرّ القوم ثانية إلى القصر فكرّ معهم فوجد الدار قد امتلأت ، وأقبلوا ينظرون إلى أبي رافع ، وأقبلت امرأته ومعها شعلة من نار وأحنت عليه تنظر أحيّ هو أم ميّت؟ فقالت : لقد فاضت نفسه وإله موسى! وإذا الرجل لا يتحرّك منه عرق. وأخذوا في جهازه يدفنونه.
قال الأسود : فخرجت معهم فانحدرت على أصحابي في المنهر فأخبرتهم.
ومكثنا في مكاننا يومين حتّى سكن عنّا الطلب ، ثمّ خرجنا مقبلين إلى المدينة.
فقدمنا على النبيّ ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ وهو على المنبر ، فلمّا رآنا قال : أفلحت الوجوه!
__________________
(١) المنهر النافذ من خارج الحصن إلى داخله يجري منه الماء في وقته ـ لسان العرب ٧ : ٩٥ ـ.
(٢) كذا في الواقدي ، وقد مرّ عن ابن إسحاق : خزاعي بن الأسود الأسلمي.