فقال : إذا كان يوم ـ كذا وكذا ـ فاخرجوا ، وأخرجوا معكم بصدقات.
فلمّا كان ذلك اليوم خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ والناس معه ـ يمشي وعليه السكينة والوقار ، حتّى أتوا المصلّى ، فتقدّم النبيّ فصلّى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة ، في الاولى بفاتحة الكتاب والأعلى ، وفي الثانية بفاتحة الكتاب والغاشية.
فلمّا قضى صلاته استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه ـ تفاؤلا لانقلاب القحط إلى الخصب ـ ثمّ جثا على ركبتيه ورفع يديه ثمّ قال : «الله أكبر ، اللهم اسقنا وأغثنا غيثا مغيثا ، وحيا ربيعا ، وجدى طبقا غدقا مغدقا عاما ، هنيئا مريئا مريعا ، وابلا شاملا ، مسبلا مجلجلا ، دائما دررا ، نافعا غير ضار ، عاجلا غير رائث ، غيثا اللهم تحيي به البلاد ، وتغيث به العباد ، وتجعله بلاغا للحاضر منّا والباد ، اللهم أنزل في ارضنا زينتها ، وأنزل علينا سكينتها. اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحيي به بلدة ميتا ، واسقه ممّا خلقت أنعاما واناسيّ كثيرا».
قال أنس : فما برحنا حتّى أقبلت قزع من السحاب فالتأم بعضها إلى بعض ثمّ مطرت عليهم سبعة أيّام ولياليهن لا تقلع عن المدينة.
فأتاه المسلمون ـ وهو على المنبر ـ فقالوا : يا رسول الله ، قد غرقت الأرض وتهدّمت البيوت ، وانقطعت السبل ، فادع الله ـ تعالى ـ أن يصرفها عنّا.
فضحك رسول الله حتّى بدت نواجذه ، ثمّ رفع يديه فقال : «اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على رءوس الظراب ومنابت الشجر وبطون الأودية وظهور الآكام».
فتصدّعت قطع السحاب عن المدينة حتّى كانت في مثل الفسطاط عليها ، تمطر على مراعيها ولا تمطر فيها.
قالوا : فلمّا صارت المدينة في مثل الفسطاط ضحك رسول الله حتّى بدت نواجذه ثمّ قال : لله أبو طالب ، لو كان حيّا قرّت عيناه ، من الذي ينشد قوله؟