سنة ستّ) فقال له : تجهّز فإنّي باعثك في سريّة من يومك هذا أو من غد إن شاء الله. ثمّ أمره رسول الله أن يسير من الليل إلى دومة الجندل فيدعوهم إلى الإسلام. ومضى أصحابه في السحر فعسكروا بالجرف ، وهم سبعمائة رجل.
وصلّى رسول الله صلاة الصبح وإذا عبد الرحمن بن عوف في ناس من المهاجرين ، وهو متوشّح سيفا وقد لفّ على رأسه عمامة ، فقال له رسول الله : ما خلّفك عن أصحابك؟ فقال : يا رسول الله أحببت أن يكون آخر عهدي بك وعليّ ثياب سفري. فدعاه النبيّ فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده ثمّ عمّمه بعمامة سوداء فأرخى منها ذيلها بين كتفيه وقال : هكذا فاعتم يا بن عوف. ثمّ قال له : اغز باسم الله وفي سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله ، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدا. ثمّ التفت إلى الناس فقال :
أيّها الناس ، اتّقوا خمسا قبل أن يحلّ بكم :
ما نقص مكيال قوم إلّا أخذهم الله بالسنين ونقص من الثمرات لعلّهم يرجعون!
وما نكث قوم عهدهم إلّا سلّط الله عليهم عدوّهم!
وما منع قوم الزكاة إلّا أمسك الله عليهم قطر السماء ، ولو لا البهائم لم يسقوا!
وما ظهرت الفاحشة في قوم إلّا سلّط الله عليهم الطاعون!
وما حكم قوم بغير آي القرآن إلّا ألبسهم الله شيعا وأذاق الله بعضهم بأس بعض!
ثمّ خرج عبد الرحمن حتّى لحق بأصحابه فسار بهم حتّى قدم دومة الجندل ، وهم نصارى من كلب ورئيسهم الأصبغ بن عمرو الكلبي ، فدعاه وقومه للإسلام ، فأبوا أن يعطونه إلّا السيف ، فمكث بها ثلاثة أيّام يدعوهم إلى الإسلام ، فلمّا كان
__________________
(١) سيأتي أن الزكاة انما وجبت في آخر السنة التاسعة ولأول العاشرة ، اللهم إلّا أن يراد بها هنا الصدقات المطلقة المندوبة لا خصوص الزكاة الواجبة.