وقد غزتهم قريش في عقر ديارهم فقتلوهم؟! إنه لا يرجع محمد وأصحابه الى المدينة أبدا (١) فلما قصد المسلمون قريشا في عقر دارهم وسلموا منهم وانصرفوا عنهم بصلح وأمان فكأنّ ذلك كان (فتحا مبينا) بالنسبة الى ما كان يظنّ بهم المشركون والمنافقون ونجد في الآيات الاوائل من السورة اشارة الى ذلك اذ قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ...* لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً* وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ... (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ ... بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً* بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)(٢) وهنا قال القمي : أي : قوم سوء ، وهم الذين استنفرهم في الحديبية.
ثم قال : ولما رجع رسول الله من الحديبية الى المدينة غزا خيبر ، فاستأذنه المخلّفون من الأعراب أن يخرجوا معه ، فقال الله : (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣) وهذا بظاهره يفيد نزول هذه الآية ـ فما بعدها ـ بعد دخول الرسول الى المدينة وخروجه منها الى خيبر بعد الحديبية ، بينما لم يقل به القمي في نزول السورة ، وهنا قال : (فقال الله)
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣١٠.
(٢) الفتح : ٤ ـ ١٢.
(٣) الفتح : ١٥.